رغم أن السماء منحت الفلسطينيين فرصة أخيرة لتنفس الصعداء، والتحرر من الضغط قليلا وبشكل مؤقت، بما يمكن أن يمنحهم لحظة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوضاعهم الداخلية، من أجل لياقة كفاحية أعلى في مواجهة المحتل، وذلك بعد أن أضطر البيت الأبيض، لأكثر من سبب إلى تأجيل إعلان صفقة العصر، إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية على أقل تقدير، إلا أن الكل الفلسطيني ما زال لم يلتقط الفرصة السانحة. 


ولأن القيادة الفلسطينية المسؤولة عن المشروع الوطني تدرك ما أشرنا إليه، فإنها تسعى بكل ما لديها من قدرة من أجل لملمة الجراح، ولأنها هي التي في مواجهة إسرائيل بعربدتها على طول وعرض الضفة الغربية و القدس ، ولأنها أيضا المسؤول الرسمي والحامل الطبيعي للهم الفلسطيني، وليس حكم حماس في قطاع غزة ، رغم ما يتشدق به من شعارات، لذا فإن القيادة الفلسطينية أقدمت قبل أسابيع على حل المجلس التشريعي لقطع الطريق على أي محاولة لاحقة لأن يكون بوابة لتنصيب سلطة رسمية بديلة تنخرط في صفقة ترامب، ثم ها هي تعد العدة لتشكيل حكومة وطنية بديلة عن حكومة التكنوقراط وهذه رسالة موجهة لإسرائيل، تعني التحلل من تبعات أوسلو، والعودة إلى برنامج الكفاح الوطني، برنامج «م ت ف». 


والمتابع للشأن الداخلي يدرك أخيرا بأن القيادة الفلسطينية تخوض حاليا كفاحا سياسيا، لا يقل شأنا عما كانت تخوضه «م ت ف» على مدار العقود الماضية من كفاح مسلح، كفاح صعب ومرير، مثابر ومتواصل، يتطلب حشد كل الطاقات الوطنية، ولأنه بيد القيادة الأغلبية الوطنية متمثلة بفصائل «م ت ف»، وليس بيدها الكل الفلسطيني، بسبب اشتراطات «حماس» و»الجهاد» على «ثمن» سياسي فصائلي خاص، وعلى ترتيبات لا يكفي الوقت ولا الظروف لتحقيقها، فإن القيادة الفلسطينية تعمل وفق منطق «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة». 


كان بالطبع الوضع المثالي هو أن يغلق ملف الانقسام، وفق الرعاية المصرية، لكن كلما لاح بريق الأمل، جاءت قطر من بعيد لتخرب على الجهد المصري، وهكذا كان في الفصل الأخير، فما أن تدخلت مصر لرأب الصدع، حتى هرول المندوب السامي القطري إلى غزة عبر إسرائيل، ليقدم الرشوة المالية لـ»حماس»، حتى لا تستجيب لاستحقاق إنهاء الانقسام الداخلي. 


وبعد أن «فاحت» رائحة هذه الرشوة المالية المهينة حتى لـ»حماس»، وبعد أن واجهت الدفعة الثالثة من المنحة القطرية عقبات داخلية إسرائيلية، أخّرت دخول حقائب المال القطري عبر البوابة الإسرائيلية من أول هذا الشهر حتى آخره، تدخل محمد العمادي ، وتنقل بين «حماس» وإسرائيل، ليقترح صرف الكوبونات بدلا من النقود، بعد أن رفضت «حماس» حجب الرواتب عن عدد من موظفي «حماس» الأمنيين.


و»حماس» التي ما زالت تركض وراء الوهم، تظن أنه يمكنها أن تقوم باستغلال فترة الانتخابات الإسرائيلية لتحسين شروط تفاهم التهدئة، والقائم على أساس تهدئة مسيرة العودة مقابل فتات المال القطري، قبلت أولا أن يمر المال عبر إسرائيل وبمعرفتها، ثم قبلت وسيطا تطبيعيا يتجول بين غزة وإسرائيل، ولا يمر عبر السلطة الفلسطينية، فيما تقدم قطر بذلك خدمة لإسرائيل وأميركا بجعلها «حماس» هدفا يمكن من خلاله تمرير صفقة ترامب عبر البوابة الفلسطينية. 


وفي الوقت الذي تحاول فيه السلطة فرض إنهاء الانقسام بالوسائل السياسية الضاغطة على «حماس»، تواصل قطر عبر مندوبها المتجول بين غزة وإسرائيل، مواصلة التملص والحفاظ على سيطرتها المنفردة على قطاع غزة وها هو العمادي يجد حلا لإدخال الدفعة الثالثة عبر الأمم المتحدة، وبمعرفة إسرائيل أيضا، فالمهم عنده هو ألا يمر إدخال المال لغزة عبر السلطة الرسمية، ذلك أن دخول السلطة لغزة عند قطر خط أحمر، والمهم هو أن تبقى غزة خارج الإطار الرسمي وخارج عباءة الكل الوطني. 


لكن دخول الأمم المتحدة بحد ذاته وإن كان عبر مشاريع الشؤون الاجتماعية، على خط إدارة قطاع غزة، يعتبر برأينا عملا خطيرا فهي ت فتح الطريق، لفكرة إدارة غزة عبر المنظمة الدولية بدافع الواقع الإنساني وما إلى ذلك. 


السؤال هنا، هو انه إذا كانت القيادة الوطنية المسؤولة، لا مشكلة لديها في إشراك فصائل «م ت ف» في حكم الضفة الغربية، فلم لا تقدم «حماس» على الفعل ذاته، بفتح الباب أمام إدارة وطنية جماعية لفصائل العمل الوطني لقطاع غزة، إن كانت ما تزال ترفض المشاركة في الحكومة الوطنية، حيث إنها ما زالت تريد أحد خيارين، إما التفرد بحكم غزة مقابل حكم «فتح» للضفة، أو الشراكة الثنائية في حكم جناحي الوطن معا، وتجربة «حماس» السياسية أصلا لا وجود لمفردة الشراكة فيها، فهي متفردة دائما منذ العام 1987 وحتى الآن، مرورا بحكمها العسكري المتفرد لقطاع غزة. 


لذلك فإن فعلا ضاغطا من خارج «حماس» ومن غزة بالدرجة الأولى بات أمرا واجبا وضروريا، على الفصائل أن تبادر له، ويتمثل في تحديد جملة مطالب، منها: إنهاء مهمة المندوب القطري، وإجبار قطر إن كانت صادقة في دعم غزة على المرور عبر السلطة الرسمية، وإنهاء كل مظاهر الحكم الفردي لـ»حماس» في غزة، فإن كانت «حماس» ما تزال تصر على عدم تمكين السلطة من غزة، فعليها أن توافق على إدارة وطنية فلسطينية جماعية لها، بشكل مؤقت على طريق إعادة الوحدة عبر ممر الانتخابات العامة، ويمكن الشروع فورا بإطلاق تظاهرات ضد مهمة العمادي ووجوده بل وتواجده المشبوه في غزة، والذي يتوافق مع إسرائيل في كل خطوة، ويبقي على حالة الانقسام، ويجعل من «حماس» هدفا في مرمى صفقة ترامب.


وحيث إنه من المتوقع ألا توافق «حماس» على إدارة جماعية وطنية تعلن بشكل فوري لقطاع غزة، عبر لجنة حكومية تابعة لحكومة فصائل العمل الوطني، فإن مهمة وطنية تقع على عاتق الفصائل وهي عزل «حماس» وطنيا، والإعلان عن أن حكمها لقطاع غزة جاء بقوة السلاح وعبر انقلاب عسكري، وأن ولايتها على غزة غير شرعية ولا طاعة لها على احد، أي على الفصائل والشعب بغزة أن يعلن العصيان المدني والوطني فورا، هذا أذا أردنا أن نبقي على حظوظنا في التحرر الوطني وتحقيق أهدافنا بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة على حدود العام 67 مع حق العودة والقدس عاصمة، قائمة، وعدم الخروج فقط بدولة غزة بحكم شمولي مستبد. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد