في محاولة منه لتخفيف حدة الانتقادات اليمينية ضد سياسته، يهرب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الأمام نحو مواجهة شاملة مع الشعب الفلسطيني، من خلال إقرار سلسلة قرارات وقوانين احتلالية جديدة منها شرعنة 66 بؤرة استيطانية وبناء مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة، وطرد عائلات منفذي عمليات المقاومة ضد الإسرائيليين. وهذه قرارات المجلس الوزاري المصغر الذي انعقد أول من أمس لترد على الهجمات الفلسطينية وآخرها العملية التي نفذت ضد الجنود وأدت إلى مقتل اثنين منهم وأضاعت ما تحسبه "إنجازات" سلطات الأمن التي استطاعت تصفية المطارد أشرف نعالوة الذي نفذ عملية "بركان"، وأيضاً الوصول إلى صالح البرغوثي الذي لا يعرف مصيره بالضبط. والتي سببت إحراجاً شديداً للحكومة ولنتنياهو شخصياً. وهنا لا يبحث نتنياهو عن حل أو تسوية بل عن إجراءات انتقامية تشفي غليل المتطرفين الذين يدعون للانتقام من الفلسطينيين، وتؤمن له دعم المستوطنين والقطاعات الأكثر تطرفاً في إسرائيل.


 استطلاعات الرأي التي نشرت في أعقاب المواجهات والعمليات الأخيرة وخاصة للقناة العبرية الثانية التي نشرت يوم الأحد الماضي تقول إن 58% من الجمهور الإسرائيلي غير راضين عن أداء رئيس الحكومة نتنياهو كوزير دفاع، أي عن الأداء الأمني الإسرائيلي عموماً، على الرغم من أن قضايا الفساد وتوصيات الشرطة الإسرائيلية بتوجيه اتهامات ضد نتنياهو في ثلاث ملفات رئيسية مشتبه فيها بالتورط بملفات فساد مختلفة لم تؤثر على شعبيته. وعلى ما يبدو أن الانتقادات الشديدة ضد نتنياهو من قبل اليمين المتطرف والوسط واليسار على السواء قد أثرت على الرأي العام الإسرائيلي وعلى الموقف تجاهه وأيضاً تجاه حزب "الليكود" الحاكم الذي هبط في نفس الاستطلاع من 30 مقعداً إلى 28 مقعداً ولا يزال في صدارة الأحزاب والحركات الإسرائيلية الممثلة في الكنيست والتي قيد الإنشاء مثل حزب رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس الذي يحصل حزبه الجديد على 16 مقعداً فقط. وعملياً يبقى نتنياهو صاحب الفرصة الأكبر في تشكيل الائتلاف الحكومي القادم ما لم تحدث مفاجأة ليست في الحسبان.


 نتنياهو يفكر فقط بالانتخابات وبالحصول على فرصة إضافية لتشكيل حكومة ولا شيء لديه أهم من هذا الموضوع، ولهذا يذهب إلى حرب الأنفاق مع "حزب الله" أو عملية "درع الشمال" كما سميت رسمياً، وبالرغم من التشكيك بدوافعه والمبالغة بحجم الإنجازات واختيار التوقيت الملائم بالنسبة له، علماً بأن موضوع أنفاق "حزب الله" كان معلوماً لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ فترة، إلا أن ما يقوم به جيش الاحتلال في الشمال يحظى برضى في أوساط الجمهور الإسرائيلي، والصفعة كانت في الضفة الغربية، وهي التي أثرت على شعبيته.


 محاولة نتنياهو ركوب موجة الاحتجاجات اليمينية لأسباب انتخابية من جهة وأسباب سياسية وأيدولوجية من الجهة الأخرى ستقود إلى توتير إضافي في الوضع في الضفة الغربية، والذي هو معرض للانهيار أكثر من أي وقت مضى، وهو كمن يصب الزيت على النار ويدعو الفلسطينيين لخيار واحد فقط وهو رفض كل ما تقوم به إسرائيل ومقاومته بكل السبل. وهنا لا يبدو أن التنسيق الأمني يمكن أن يصمد أو حتى يمكن أن يصبح ذا جدوى في معالجة الوضع المتدهور والقابل للانفجار. فما يحدث هو إطلاق يد المستوطنين للتنكيل بالفلسطينيين والاعتداء عليهم وكمصادرة أرضهم وتوسيع المستوطنات القائمة وبناء مستوطنات جديدة طالما يتم شرعنة كل بؤرة استيطانية تقام في اي مكان في الضفة الغربية بما في ذلك التهويد المتسارع للقدس المحتلة. وأمام هذه التطورات التي تمثل استمراراً للسياسات التي كانت قائمة في السابق وتصعيدها بصورة خطيرة ينهي نتنياهو دور السلطة الفلسطينية كطرف يمكنه أن يؤمن الاستقرار السياسي والاقتصادي- الاجتماعي والأمني، ويدفع نحو مواجهات شاملة تقوم أساساً على إشاعة الفوضى والدمار.


وليس غريباً أن تقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على طرف نقيض مع سياسة نتنياهو، فهي تدرك إلى أي مدى سوء الأوضاع في الضفة وقابليتها للاشتعال، كما تدرك أن خطوات من قبيل طرد عائلات الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات مسلحة ضد الإسرائيليين لن تساعد في تعزيز الردع الإسرائيلي الذي يمنع الفلسطينيين من القيام بعمليات في المستقبل، بل على العكس هي تزيد الغضب وتساهم في خلق دوافع إضافية لمقاومة الاحتلال وسياساته الإجرامية. ومعارضة الأجهزة الأمنية لإجراءات وسياسات وقوانين نتنياهو تتوازى مع معارضة واضحة وصريحة للمستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت الذي قال إن القانون غير دستوري، إذ لا يمكن معاقبة عائلة منفذ هجوم إذا لم يثبت أنها ساعدت المنفذ عمداً. ويخشى مندلبليت من مقاضاة إسرائيل دولياً، حيث لا تتعارض قوانينها مع القانون الدولي والقرارات الأممية التي تتخذ صفة الشرعية الدولية المتعارف عليها.


 المشكلة في إسرائيل أن الكثيرين يدركون المخاطر الكامنة في سياسة الحكومة على مستقبل إسرائيل ومصالحها، ولا يستطيعون فعل شيء في مواجهته، فإذا لم تنجح أجهزة الدولة في تحجيم دوره بعد افتضاح أمره كفاسد، فكيف يمكن مواجهة أكاذيبه في المسائل الأمنية، طالما لا يوجد بديل آخر له يكون مقنعاً للجمهور أكثر منه، وحتى الآمال التي علقت على بيني غانتس لا يبدو أنها بمستوى إحداث التغيير المنشود في القيادة والسياسة الإسرائيلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد