الرئيس عباس: سنواصل العمل لتحقيق المصالحة وصولا لاستلام حكومة التوافق مهامها في غزة
أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أننا سنواصل العمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية من خلال الجهود المصرية وصولا لتولي حكومة التوافق الوطني مهامها في غزة كما هي في الضفة، وأن يكون هناك سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد".
جاء ذلك في كلمة للرئيس عباس لمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ألقاها نيابة عنه، المندوب الدائم لفلسطين في الأمم المتحدة السفير رياض منصور.
وأكد الرئيس عباس المسؤولية الدائمة للأمم المتحدة إزاء قضية فلسطين حتى يتم إيجاد حل لها بشكل مُرض في جميع جوانبها.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس وفقا لوكالة الأنباء الرسمية:
معالي السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة،
معالي السيدة ماريا فيرناندا إسبينوزا، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،
سعادة السيد ما زاوكشو، رئيس مجلس الأمن،
سعادة السيد شيخ منيانج، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
أود في البداية أن أنقل إليكم تحيات دولة فلسطين والشعب الفلسطيني وإلى جميع أصدقائنا المشاركين في إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مختلف دول العالم.
وأود في هذا المقام أن أتوجه بصادق التقدير والعرفان لكافة الدول التي قدمت دعمها المشرف لقضية شعبنا عبر تصويتها لصالح القرارات السنوية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وثبات موقفها الداعم والمبني على مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية، رغم كل الضغوطات والمحاولات لتغيير هذه المواقف القانونية والأخلاقية.
إن صلابة مواقفكم في هذه المحافل الدولية تعزز من صمود شعبنا الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات، وتزيد من إيمانه بعدالة الضمير العالمي، وتمده بالأمل في استمرار نضاله من أجل الحرية والكرامة.
كما نجدد امتناننا للمنظمات غير الحكومية وللمجتمع المدني ولكل الأشقاء والأصدقاء ولكافة الشعوب المحبة للحرية والسلام في العالم الذين يقفون باستمرار إلى جانب شعبنا. ونحن ممتنون لتضامنهم ودعمهم للتطلعات الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني من أجل تحقيق حريته واستقلاله وتحقيق السلام العادل والدائم.
لقد دافعت الأمم المتحدة عن قضيتنا وأبقتها أولوية على جدول أعمال المجتمع الدولي، ومدت يد العون لشعبنا، وشرّعت من القرارات والتوصيات ما يُشكّل أساسا لا يمكن تجاوزه في البحث عن الحل العادل والدائم والشامل. ونؤكد هنا على المسؤولية الدائمة للأمم المتحدة إزاء قضية فلسطين حتى يتم إيجاد حل لها بشكل مُرضٍ في جميع جوانبها. وفي هذا الصدد، فإننا نعبر مجددا عن تقديرنا العميق للجهود التي يبذلها معالي الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان أنطونيو جوتيرس، وللجهود التي تبذلها اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف ورئيسها سعادة سفير السنغال شيخ منيانج، وأعضاء مكتبها، وكافة الدول الأعضاء والمراقبة في اللجنة، وشعبة حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة للأمم المتحدة، من أجل تعزيز إعمال حقوق الشعب الفلسطيني، وضمان تحقيق سلام عادل ودائم.
لقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، وغيرها من الأجهزة والهيئات التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية، قرارات قوية ومبدئية لصالح قضية فلسطين. وفي هذا الصدد نعرب مجددا عن أسفنا لعدم تنفيذ هذه القرارات، الأمر الذي زاد من حدة الصراع على مدى عقود وألحق بالشعب الفلسطيني مشاقاً جسام حرمته بشكل مستمر من ممارسة حقوقه، وكرس القناعة بأن هناك معايير مزدوجة إزاء قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإسرائيل والتي لم يتم تنفيذها مما سمح لإسرائيل أن تتصرف باستمرار وكأنها دولة فوق القانون وبإفلات تام من العقاب.
في مثل هذا اليوم من كل عام، نستذكر قرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947، الذي أقر بصورة غير عادلة تقسيم فلسطين، دون موافقة شعبها، وهو القرار الذي جاء بعد ثلاثين عاما من إصدار وعد بلفور من قبل الحكومة البريطانية في العام 1917، الذي على أثره وقعت النكبة عام 1948، حيث تم تهجير شعبنا الفلسطيني قسرا من أرضه، أصحاب الأرض الأصليين الذين عاشوا فيها دون انقطاع. كما قامت إسرائيل بالعام 1967 باحتلال باقي الأرض الفلسطينية، والتي تضم الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وبالرغم من عقد اتفاق السلام معها في العام 1993، والذي كان يقضي في العام 1999 بانتهاء المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل في أمن وحسن جوار وفق حل الدولتين، وبالرغم من اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل عام 1993، وقيام فلسطين بالوفاء بجميع التزاماتها وفق الاتفاقيات وإنشاء مؤسسات دولة عصرية تحترم سيادة القانون، وحصولها على الاعتراف من 139 دولة بشكل ثنائي ورفع مكانتها كدولة مراقب في الأمم المتحدة في العام 2012، ودخولها في أكثر من مائة منظمة واتفاقية دولية، ونشر ثقافة السلام ومحاربة الارهاب، إلا أن إسرائيل ما زالت تنكر على الشعب الفلسطيني صاحب الأرض حقه في حريته واستقلاله، ولا تبادله الاعتراف، وتواصل برنامجها الاستعماري في سرقة الأرض ونقل السكان الاسرائيليين اليها في خرق واضح لمواثيق جنيف، والتي كان آخرها محاولاتها للاستيلاء على منطقة خان الأحمر، وفرض قانون القومية العنصري.
قام المجتمع الدولي بتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين الذين بلغ عددهم 6 مليون لاجئ وذلك بإنشاء وكالة الأونروا التي تقوم بدور هام، ويجب علينا جميعا دعمها الى حين حل قضية اللاجئين وفقا لقرار 194، وبهذه المناسبة نشكر الدول التي تقوم بدعم الأونروا وتلك التي قدمت مساعدات اضافية بعد الاجراءات العقابية الأمريكية ضد الأونروا في محاولة لتغييب قضية اللاجئين.
أصحاب السعادة،
بعد ما يزيد عن خمسين عاما من احتلال إسرائيل يبدو أن المشهد مظلما لأن اسرائيل ما زالت تحتل الأرض الفلسطينية بالقوة العسكرية، وتقيم نظام التمييز العنصري وتسيطر من خلاله على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتمنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وتنقض الاتفاقيات الموقعة معها.
وهنا أتساءل، إلى متى سيتم التعامل مع اسرائيل كدولة فوق القانون، ومتى سيتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته؟
وهنا أجدد التذكير باننا لم نتخلى عن التزامنا بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وما زلنا نمد أيدينا إلى السلام العادل المبني على قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين على حدود العام 1967، ولم نرفض الذهاب للمفاوضات يوما، بل قدمنا مبادرتنا للسلام في شباط/فبراير الماضي امام مجلس الامن وما زلنا نحافظ على ثقافة السلام والتسامح ونعمل على محاربة الارهاب في منطقتنا والعالم، وقلنا إننا نريد لعاصمتنا القدس الشرقية ان تكون مفتوحة لجميع المؤمنين، ولجميع اتباع الديانات السماوية.
ومن ناحية أخرى، فإننا سنواصل العمل على توحيد أرضنا وشعبنا وتحقيق المصالحة من خلال الجهود المصرية وصولاً لتولي حكومة التوافق الوطني مهامها في غزة كما هي في الضفة، وأن يكون هناك سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد.
وامام هذا الوضع الخطير، وانسداد الأفق السياسي، فإنني أدعو الامم المتحدة لتحمل مسؤولياتها وعدم السماح بمواصلة خرق القانون الدولي، ومن ناحية أخرى ندعو الدول التي تؤمن بحل الدولتين وتعترف بإسرائيل، بأن تقوم بالاعتراف بدولة فلسطين أيضا، الأمر الذي سيحقق العدل وينشر الأمل في نفوس شعبنا، الى أن تتهيأ الظروف من أجل نيل شعبنا حريته واستقلاله.
اننا نحثكم على التمسك بالتزاماتكم بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الذي تخلقه سياسات وإجراءات إسرائيل في فلسطين المحتلة، بما فيها القدس الشرقية؛ وندعوكم الى عدم تقديم الدعم والمساعدة والتي من شأنها ترسيخ والحفاظ على هذا الوضع؛ والى التمييز بين إقليم السلطة القائمة بالاحتلال والأرض المحتلة من أجل ضمان المساءلة والمساهمة في إنهاء هذه الحالة غير العادلة.
إننا ملتزمون التزاما تاما بالقانون الدولي والشرعية الدولية وبالحل القائم على وجود دولتين على حدود ما قبل عام 1967، ونحن لا نزال على استعداد لإعطاء كل فرصة للجهود الإقليمية والدولية، استنادا إلى المرجعيات الطويلة الأمد، لتحقيق سلام عادل. ولكن إذا فشلت الجهود في إيجاد هذا الحل، فإن الشعب الفلسطيني لن يختفي، كما لن يقبل بالقهر والظلم كمستقبل له. وسيواصل شعبنا كفاحه المشروع من أجل تحقيق حقوقه غير القابلة للتصرف، والسعي إلى تحقيق المساواة في الحقوق للجميع في فلسطين التاريخية من دون تمييز. ونؤكد، في هذه المناسبة، أن نضالنا لم يكن موجها ضد اليهودية كديانة، لأننا نحترم جميع الأديان ولكننا ضد الاحتلال الاستعماري لأرضنا وشعبنا وحرماننا من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقنا في تقرير المصير.
على الرغم من عقود من خيبة الأمل، فإننا لا نزال مقتنعين بأعمال القانون والمؤسسات الدولية، ودولة فلسطين ستواصل الانخراط في كافة الجهود لزيادة تعزيز سيادة القانون الدولي، بما في ذلك تعزيز مؤسساتها وتمكين شعبها، ولا سيما النساء والشباب.
إن احترام القانون الدولي هو حجر الزاوية لتحقيق السلام. ولكن، لا يمكن لهذا الاحترام ولا للسلام ان يتحقق من خلال الخطابات وحدها؛ بل يتوجب أن تتطابق الكلمات والالتزامات مع إجراءات عملية من أجل تنفيذ القانون. وفي يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني هذا، فإننا نشدد على أن هذه مسألة ملحة، ونحث على ألا يتم ادخار أي جهد في هذا السبيل، وسنظل ممتنين لجميع الذين يدافعون بحزمٍ ونبلٍ عن القانون الدولي وإعمال حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وتحقيق السلام. ونحن ننتظر اليوم الذي نحتفل فيه سوياً بحرية شعبنا في دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ونرحب بكم جميعا في مدينة القدس والتي يتوافق اسمها الأصلي مع مدينة السلام.