بعد جولة المواجهات الأخيرة بين غزة وإسرائيل، التي لم تأت بقرار إسرائيلي وإنما بفعل انكشاف الوحدة الأمنية الإسرائيلية في القطاع وقيام الجيش الإسرائيلي بقتل عدد من مقاتلي حركة " حماس " في عملية إنقاذ عناصر المجموعة الأمنية، تضعضع وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الرأي العام الإسرائيلي، حيث لم يعد الجمهور الإسرائيلي يقبل "خنوع" السلطات الإسرائيلية لمعادلة الفصائل الفلسطينية في غزة. والتعاطف الذي أبداه الإسرائيليون مع سكان البلدات المحاذية والقريبة من قطاع غزة بما فيها بعض المدن الواقعة في الجنوب كان أكثر مما توقعته الحكومة، كما أن استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان هي الأخرى ألقت بظلالها على المشهد السياسي الإسرائيلي وساهمت في تدهور شعبية نتنياهو، خصوصاً وأن ليبرمان غلف استقالته بعجز الحكومة في مواجهة قطاع غزة ورفض الوزراء توجيه ضربات موجعة لـ"حماس".


الحيلة التي لجأ إليها نتننياهو لضمان استمرار ائتلافه الحكومي ولمنع انسحاب حزب "البيت اليهودي" برئاسة نفتالي بينيت من الحكومة، عدا عن توجيه الضغوط على حاخامات التيار القومي الديني وتحذيرهم من مغبة إسقاط حكومة اليمين، والسماح بقيام ائتلاف آخر لا يكونون هم شركاء فيه، هي الحديث عن عملية أمنية كبيرة جارية وتطورات على وشك الحدوث. والمقصود هنا على ما يبدو على جبهة إيران- سورية- حزب الله أكثر من كونها على جبهة غزة. والكثير من الخبراء والمحللين الإسرائيليين في الواقع لم يشتروا رواية نتنياهو بالرغم من أن وزراءه يدافعون عنها ويؤكدون صدقها، فمنهم من يقول إن مجرد الحديث عن عملية أمنية سرية كبيرة يُفقدها سريتها ومعناها لأن هذا لو كان صحيحاً سينبه كل الخصوم لأخذ احتياطاتهم والتعامل مع اي عدوان إسرائيلي قادم. وهناك من يقول إن استخدام هذه الحيلة جاء فقط لمنع سقوط الحكومة وللضغط على أطراف الائتلاف وخاصة "البيت اليهودي" و"كولانو" بزعامة وزير المالية موشي كحلون الذي كان متحمساً لتقديم موعد الانتخاب أكثر من بينيت الذي رهن بقاءه في الحكومة بالحصول على حقيبة "الدفاع".


في الواقع، لا يوجد سبب يدفع نتنياهو للذهاب إلى حرب قد لا تكون نتائجها مفيدة له وهو على وجه انتخابات عامة، وأهم ما يسعى له هو الحصول على ولاية جديدة وتمديد بقائه في رئاسة الحكومة، لكي يتجاوز الفترة التي قضاها بن غوريون رئيس الحكومة الأطول في تاريخ إسرائيل ومؤسسها الفعلي، وبالمناسبة هو سيتجاوز ولاية بن غوريون في شهر تموز القادم. فأي حرب سواء مع غزة أو مع لبنان أو حتى في سورية قد تأتي بتداعيات غير متوقعة أو محسوبة، خاصة موضوع ضرب العمق الإسرائيلي أو حصول خسائر كبيرة في الأرواح. وإسرائيل كانت تتمتع بالقدرة على توجيه ضربات في عمق الأراضي السورية دون ثمن وهو ما لم يعد متاحاً الآن. ويحاول نتنياهو الآن ترميم صورته وقد نجح نسبياً في استعادة الدعم لحزب "الليكود" الذي يتزعمه والذي يحصل في كل استطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً على 30 مقعداً أو أكثر، بحيث كانت الفجوة بينه وبين الحزب الذي يليه كبيرة، بما يمكنه من تشكيل الحكومة القادمة في ظل ارتفاع شعبية اليمين.


ولعل نتنياهو يعيش أفضل أوضاعه السياسية من حيث الإنجاز على الجبهة الخارجية، فالدول العربية تهرول نحو التطبيع مع إسرائيل تباعاً، وهذا حال بعد الدول في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، بما في ذلك حديث بعض الدول عن نقل سفاراتها إلى القدس على خطى الولايات المتحدة. كما يتمتع نتنياهو والحكومة الإسرائيلية بدعم غير مسبوق من الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، وتتبنى الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين، وأوقفت الدعم عن الفلسطينيين، وتعتزم طرح مشروع سياسي لا يلبي الحد الأدنى المقبول فلسطينياً ويخرج عن كل المرجعيات الدولية المقرة للعملية السياسية، وهي تضغط على الدول العربية لتبني مواقفها والتطبيع مع إسرائيل والتحالف معها ضد إيران. 
بالإضافة إلى أن مشروع الحكومة الإسرائيلية اليميني الاستيطاني يسير بسرعة دون عوائق تذكر داخلياً وخارجياً، فتهويد القدس ومصادرة الأراضي والاستيطان وتقطيع أوصال الضفة الغربية يستمر على قدم وساق، وتحصل إسرائيل على الأمن وأوضاعها الاقتصادية مستقرة وجيدة. فلماذا يغامر نتنياهو بخسارة ما لديه من أجل أي عملية عسكرية قد لا تساعده في البقاء في الحكم لفترة إضافية.
من هنا تشير التقديرات إلى أن نتنياهو يكذب بشأن العملية الأمنية السرية وأن كل ادعاءاته هي فقط للاستمرار في رئاسة الحكومة والذهاب للانتخابات وقتما يرى ذلك في صالحه، ربما ارتباطاً بملفات الفساد المتورط فيها. وقد يكون هذا الموضوع تحديداً هو أكبر المخاطر التي يواجهها على مستوى صراع البقاء السياسي الذي يخوضه والذي برع فيه أكثر من أي شخصية سياسية في تاريخ إسرائيل. وما لم تحدث مفاجآت ليست في الحسبان سنضطر لمواجهة نتنياهو لفترة أخرى سواء باستمرار الحكومة الحالية حتى نهاية فترة ولايتها أو حتى في فوز جديد لنتنياهو. وفقط شيء واحد يمكن أن يعكر عليه صفو حكمه وهو الوحدة الوطنية الفلسطينية وخطة سياسية موحدة بين كل القوى الفلسطينية في إطار سلطة واحدة وقيادة واحدة تلجم الهرولة العربية للتطبيع وتضع برنامج مواجهة للاحتلال والاستيطان على كل الجبهات تعتمد على كفاح شعبي سلمي وحملات سياسية ودبلوماسية واسعة النطاق، عندها قد يذهب نتننياهو الى الحرب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد