قررت شركة "إير بي إن بي" الأميركية التي تشتغل في قطاع السياحة وتعلن عن أماكن للإيجار أن تستثني من قوائمها بيوت المستوطنين اليهود المقامة في المستوطنات في الضفة الغربية، على اعتبار أن هذه المستوطنات "في قلب الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين". وبالرغم من أن القانون الأميركي يسمح لهذه الشركة وغيرها العمل في المناطق المحتلة، إلا أنها آثرت الامتناع عن ذلك لأن "الكثيرين في المجتمع الدولي يؤكدون أنه لا ينبغي على الشركات أن تمارس عملها في مثل هذه المناطق، لأنهم على قناعة بأن الشركات لا ينبغي أن تحقق أرباحاً على أراضٍ شُرد أهلُها"، حسب تعبير الشركة في معرض شرحها لأسباب قرارها. والحقيقة أن الشركة المذكورة اتخذت هذا الموقف قبل يوم واحد من صدور تقرير منظمة "هيومان رايتس وواتش" لحقوق الإنسان الأميركية حول عمل الشركة. ومهما يكن الدافع وراء القرار فهو يمثل انتصاراً للحق الفلسطيني في التأكيد على الفصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران من العام 1967، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2334 بهذا الخصوص.


وغني عن القول إن قرار شركة "إير بي إن بي" أثار غضب إسرائيل على مستوى الحكومة ومجلس المستوطنات، وهو ما رأت فيه إسرائيل "قراراً دنيئاً ومعاديا للسامية" على عادتها في وصف كل موقف يتحدث عن القانون الدولي أو ينتقد ويدين الاحتلال الإسرائيلي. وبالمناسبة قد نصل إلى مستوى جديد من الردح الإسرائيلي في اتهام يهود بمعاداة السامية إذا ما انتقدوا إسرائيل أو عبروا عن موقف محايد كشركة "إير بي إن بي"، فالكثير من اليهود في إسرائيل وحول العالم لا تعجبهم سياسة الحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو . وتعمد هذه الحكومة إلى معاقبة الإسرائيليين الذين يوجهون انتقادات لسياسة حكومتهم في المحافل الدولية وفي تقرير منظمات حقوق الإنسان الموجودة في إسرائيل، والتي تدعي أيضاً حرصها على المصلحة الإسرائيلية قبل كل شيء.


لا يجب أن يقتصر ردنا على موقف شركة "إير بي إن بي" بالترحيب والإشادة أو الفرح والاحتفال، بل يجب أن نفكر في كيفية تطوير المواقف الدولية من حقوقنا إلى مستوى الالتزام التام بقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدلوية، وخاصة قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وكل ما له علاقة بالقضية والحقوق الفلسطينية. وفي موازاة ذلك الذهاب فوراً لإنجاز الوحدة الوطنية الكاملة وتوحيد شقي الوطن، فأحد أهم دروس العدوان الأخير على قطاع غزة هو عدم الثقة بالوعود والاتفاقات مع إسرائيل، وأنها لا حصانة ولا حماية إلا حضن الشعب ومظلة الشرعية.


وحتى لو كانت الحكومة الإسرائيلية ترغب أكثر من أي شيء آخر في تعزيز الانقسام الفلسطيني، في إطار الادعاء بأنها تريد حل المشاكل الإنسانية في غزة، وأن هذا هو السبب في سماحها بدخول الوقود والأموال القطرية، فهناك في إسرائيل من يرون أن مصلحة إسرائيل على المدى البعيد في عودة السلطة الوطنية إلى قطاع غزة وتوحيد القطاع مع الضفة. وهذا ما يُظهره بحث صدر عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، الذي يقول بوضوح إن الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى مصالح إسرائيل في قطاع غزة فقط على المدى القريب، وإن هذه الحكومة غير متحمسة لإنجاز المصالحة الفلسطينية الداخلية التي تتضمن عودة السلطة إلى قطاع غزة، على اعتبار أن هذا لا يسهم في تحقيق هدفها المتمثل في الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين أن من مصلحة إسرائيل توحيد الضفة وغزة وعودة السلطة للقطاع.


وإذا كان هناك إسرائيليون يدركون أن الوحدة الفلسطينية الداخلية، والتعامل مع كيان واحد وتمثيل واحد هو في مصلحة إسرائيل، فحريٌّ بنا أن ندرك مصالحنا نحن المتمثلةَ أساساً بالوحدة الوطنية، ليس فقط في التوحيد الإداري للضفة وغزة، بل في بناء مؤسسات دولة حديثة متطورة بما تسمح به الظروف، وإعادة الروح للحياة الديمقراطية وتجديد المؤسسات التشريعية والتنفيذية، والأهم الاتفاق على برنامج سياسي موحد لمواجهة المشروع الاستيطاني الإجرامي والمخالف للقانون الدولي.


وبالوحدة الفلسطينية يمكننا مواجهة كافة التحديات، ليس فقط المخالفات والجرائم الإسرائيلية، بل وكذلك الخروج عن قواعد الإجماع الوطني وخاصة في موضوع تسريب الأراضي للجمعيات الاستيطانية، فلا معنى لمحاربة التوسع الاستيطاني والترحيب بالمواقف الدولية ضد المستوطنات إذا لم تكن جبهتنا الداخلية محصنة وتمنع تسريب الأراضي والعقارات لليهود في القدس والضفة، خصوصاً وأن هناك تزايداً في عمليات البيع والتسريب في غياب الردع الوطني الداخلي. وعملياً مواجهة الاحتلال بكل تفاصيله بحاجة لإستراتيجية وطنية موحدة، وغياب هذه الإستراتيجية يشجع إسرائيل على التمادي في مخططاتها ويشجع أيضاً بعض الأطراف الإقليمية والدولية على الخروج عن قواعد القانون الدولي والقرارات العربية والدولية ذات العلاقة بالمسألة الفلسطينية، فهل ننتصر لحقوقنا قبل أن ندعو الآخرين للانتصار لها ودعم نضالنا العادل من أجل هذه الحقوق العادلة التي تتمثل بحريتنا واستقلالنا الناجز على أرض وطننا وفي كافة المناطق المحتلة منذ عام 1967، أم نبقى على حالنا ونكتفي بتوزيع الشهادات لمن يقف معنا أو ضدنا؟؟؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد