عظمة الانسان أنه مفطور على حب الكمال والسعي نحو الأفضل، كل حسب مستواه وحسب دوافعه وغاياته وظروفه في الحياة.


ولعل كبار الملهمين على مدار التاريخ من أنبياء ورسل وفلاسفة كانت أهم وظيفة لهم هي {كيف ينجحون في توفير وتقديم الغذاء الروحي والمعنوي والفكري الذي يلبي هذه الحاجة الجوهرية -السعي نحو الكمال- لدى الانسان، وبالتالي  يقدمون النموذج العملي الملهم والمنقذ للمجتمعات}.

الشهيد الشقاقي (ر.ح) عبر المعايشة والعشرة التي أعتز وأفتخر بها خصوصا داخل فلسطين مع بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي حتى تاريخ اعتقاله عام 1986م، والذي انتهى بابعاده في شهر8- 1988م، هذه الفترة الذهبية التي عشناها معا في ظل الاحتلال الصهيوني الكامل لكامل فلسطين، والتي شرفنا الله خلالها بالعمل ليل نهار على توفير مناخ ثوري حقيقي أدى حسب اعتقادي إلى تفجير ثورة الحجارة عام 1987م.

خلال هذه الفترة الذهبية لا شك أن كل من يتعرَف على الشهيد فتحي الشقاقي  يشعر أنه أمام مثقف اسلامي ثوري، وأمام شعلة من النشاط والابداع المتواصل،وبلا شك أمام إنسان مؤثر وملهم للآخرين يشعرك بأن بداية خيط الخلاص مما نحن فيه بيده، وبالتالي بيدك إن أنت انتبهت وإن أنت أردت.

هذا المثقف الفلسطيني الذي توافق نضجه ووعيه مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 979م، وجد ضالته فيها من خلال النموذج الثوري المذهل (الامام الخميني)(ر ض)، هذا اللقاء مع الثورة الاسلامية في هذه اللحظة التاريخية كان أهم نقطة تحول لدى الشهيد فتحي الشقاقي واخوانه المؤسسين والأساسيين من وجهة نظري.

هذه اللحظة التاريخية الثورية النادرة دفعت الشهيد نحو حسم الخيارات بوضوح وبالتالي كان الصدع بخروجه من تنظيم الاخوان المسلمين وذهابه نحو بلورة تجربة جديدة، تستحضر نموذج الثورة الاسلامية في ايران وتقدم اجابة على السؤال الفلسطيني، وتملأ الفراغ الثوري في الساحة الفلسطينية في آن واحد معا.

وهكذا بدأت المحاولات الابداعية على شكل مقالات وكتيبات تتمحور حول مركزية القضية الفلسطينية من جهة، وتثوير الفكر الديني الذي كان عنوانه (الاخوان المسلمون في فلسطين) -انذاك- من جهة أخرى.

هذه المحاولات الابداعية وهذه التفاعلات الثورية هي التي تجلت في ميلاد حركة الجهاد الاسلامي، والتي أصفها باختصار بأنها حركة اجتهادية جهادية.
أي أنها حركة تنطلق من ارادة امتلاك رؤية اجتهادية، وانها تبنت الكفاح المسلح ورفعت راية الجهاد الاسلامي بقوة ووضوح وحسمت هذه الاشكالية التي كانت تعاني منها الحركة الاسلامية عموما وحركة الاخوان المسلمين على وجه الخصوص.

ولذلك كانت حركة الجهاد الاسلامي تمثل للشارع الفلسطيني خصوصا وعدا واعدا بملء الفراغ الثوري الناتج عن تراجع وهج وحضور دور فصائل الثورة الفلسطينية وعلى راسها فتح خصوصا بعد اجتياح بيروت عام 1982وتشتت قوى الثورة من جهة، وتشتت وانفراط عقد الموقف العربي -ولو الشكلي- من فلسطين بعد زيارة السادات -الكارثية- للكيان الصهيوني وتوقيع اتفاقية كامب ديفيدالمشئومة.

نعم كانت حركة الجهاد تمثل وعدا جديا بملء الفراغ الثوري بالساحة الفلسطينية، وأقول ذلك للتاريخ.
لكن ما حصل بعد ذلك، اصابت العدوى الثورية مع تفجر انتفاضة87 قاعدة الاخوان المسلمين في فلسطين، ومن ثم ولدت حركة حماس ، وتفاعل العِرْق والدم الفلسطيني الثوري داخل حماس مع هذا الواقع والمناخ الثوريين، وانطلق المارد الحمساوي، وتبنى الجهاد لأول مرة وبوضوح وقوة من خلال الميدان، والتجربة تراجعت، صفة "الحركة الاجتهادية" لدى تنظيم الجهاد الاسلامي وبرزت الصفة الجهادية لدى حركة حماس.

وتم تفعيل المخزون الثقافي والروحي لدى الحركة وتقدمت مستفيدة من ارثها وتجربتها التنظيمية الأطول في الساحة الفلسطينية واستلمت الدور الريادي بالساحة الفلسطينية، الذي كان مقدرا لحركة الجهاد الاسلامي لو حافظت على الصفة الاجتهادية الملهمة، اضافة للصفة الجهادية، هاتان  الصفتان {الاجتهادية والجهادية} كانتا كفيلتين بدفع الحركة نحو موقعها الطبيعي من خلال بلورتها وتقديمها للنموذج الثوري في فلسطين، عبر التفاعل والتكامل مع النموذج الثوري الاسلامي الملهم في طهران.

هذا السياق - حسب وجهة النظر هذه- نقول ما يلي:
إن الدور الطليعي الثوري الذي نذرت نفسها للقيام به حركة الجهاد الاسلامي لم يستكمل كما كان ينبغي وكما كان متوقعا منها ولها، وإن العدوى الثورية التي أصابت الاخوان الملسمين  في فلسطين لم تُحدث ثورة ثقافية حقيقي داخلهم، وبالتالي لم تستطع حركة حماس رغم التضحيات والبطولات أن تجسد النوذج الثوري الذي يملأ فراغ الساحة الفلسطينية، وبالتالي يمكن القول بتجرد وموضوعية ومسؤولية : 
"أن الحركة الاسلامية في فلسطين بشقيها الأساسيين - الجهاد وحماس- لم تُفلح حتى اللحظة في ملء الفراغ الثوري والثقافي والسياسي في الساحة الفلسطينية ومن ثم في تقديم النموذج الثوري الفلسطيني الذي يلبي طموح وآمال الشعب الفلسطيني القادر على التكامل مع نموذج حزب الله في لبنان، ومن ثم الاستفادة الجدية الكاملة من نموذج الثورة الاسلامية الأم في طهران، من جهة اخرى باعتبارهما الجهة الوحيدة التي ترفع بصدق وجدية راية المواجهة للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.
ولعل الوقوع في فخ الانقسام البغيض والعجز عن تجاوزه حتى الان بعد مرور عقد ونيف من الزمان، يفسر ويدلل على ما ذهبنا إليه.

لذلك يبقى الأمل والرهان كبيرا ان تُستكمل التجرية الثورية في فلسطين، وان تتعلم من ماضيها وحاضرها وتتهيأ من جديد لانطلاقة حقيقية تتسلح فيها برؤية اجتهادية ثورية شاملة تعيد النموذج الثوري الفلسطيني إلى موقع الالهام الذي يليق به و بالتالي إلى التفاعل الحقيقي والعميق والمطلق مع النموذج الاسلامي الثوري الأم في ايران ولبنان وأنوية هذا النموذج في الساحات العربية والاسلامية على طريق تشكيل جبهة ثورية انسانية واعدة في المنطقة والعالم تكون فلسطين - كقضية عادلة بامتياز، هي الرافعة والعنوان لهذه الجبهة الثورية الانسانية المنشودة.
رحم الله الشهيد الكبير الدكتور/ فتحي الشقاقي على دوره الطليعي في السعي والعمل على بلورة النموذج الفلسطيني الثوري المنشود ، وأعان الله الورثة على حملهم وأماناتهم ، ووفقنا الله جميعا لنكون وقودا مقدسا لشعلة الجهاد والثورة حتى تحرير فلسطين كل فلسطين لتصبح وطن العدالة والمساواة لا أن تظل مغتصبة من قبل أسوأ نظام عنصري عرفه التاريخ.

والخلاصة الأهم/ إن الوفاء الحقيقي تجاه قافلة شهداء الحق والحرية على مدار التاريخ يتمثل في العمل باخلاص ووعي شديدين على تشكيل هذه الجبهة الثورية الانسانية التي تنطلق من مظلومية فلسطين صوب العالم لتعيد صياغته من جديد ليكون السلام والتعاون هما أساس بناء العلاقات بين الأمم وليس الصراع الوحشي المدمر كما هو حال عالم اليوم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد