رغم الانعقاد الدائم والمتكرر للمجلس الوزاري المصغر في إسرائيل، فإن الارتباك لا يزال يسود الموقف الإسرائيلي تجاه قطاع غزة ، ما يشير إلى عجز القيادة الإسرائيلية عن رسم سياسة استراتيجية تجاه القطاع. رئيس الحكومة نتنياهو، حذّر مكرراً في كل مرة إلى وقف التصريحات من قبل أعضاء المجلس المصغر، حتى أنه أجّل أكثر من مرة انعقاده إلى ما بعد الثامنة والنصف مساء، لكي لا تتسرّب مناقشات المجلس وقراراته إلى وسائل الإعلام، أي بعد نشرات الأخبار المتلفزة التي كانت في العادة تتداول ما جرى في اجتماعات المجلس، التي لا تعقد إلاّ بعد مداولات مسبقة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان للاتفاق على موقف موحّد يطرح على المجلس لمناقشته. الأربعاء الماضي عقد المجلس اجتماعاته لكي يقرر كيفية التعامل مع مسيرات يوم الجمعة التالي، والتي اعتبرت ميداناً للاختبار والتحذير والنذير والوعيد، ما تسرب رغم تحذيرات وتأجيلات نتنياهو يشير إلى أن "الثلاثة الكبار" رغم مناقشاتهم المسبقة، طرحوا أفكاراً متناقضة ومتعارضة، ليبرمان اقترح الشروع في حرب واسعة على قطاع غزة، بما في ذلك دخول بري كبير، لضمان خمسة أعوام من الهدوء على خطوط التماس مع قطاع غزة، حسب زعمه، ايزنكوت رئيس الأركان، باسم الجيش، وكما جرت الأمور في اجتماعات المجلس الوزاري المصغر السابقة، عارض الجيش مقترح ليبرمان، فالجبهة الأساسية للمواجهة هي في الشمال، على الحدود وداخل سورية والوجود الإيراني، وأن ما يجري على خطوط التماس مع قطاع غزة، يمكن احتواؤه ويمكن كذلك التعايش معه، باعتباره لا يشكل خطراً وجودياً على دولة الاحتلال.


وعلى الأرجح، فإن احتمالات الانتخابات المبكرة المتزايدة، كانت في خلفية النقاشات في المجلس الوزاري المصغر الأربعاء الماضي، فقد أعاد بعض الأعضاء إلى الأذهان، الأيام الأولى لوصول ليبرمان إلى منصب وزير الدفاع، عندما هدد باغتيال إسماعيل هنية خلال 48 ساعة، حينها وقف ليبرمان مع رأي الجيش بعدم التوجه إلى حرب جديدة في مواجهة معلنة مع رأي وزير التربية والتعليم بينيت، وما خرج به اجتماع المجلس الوزاري المصغر، لا هذا ولا ذاك، لا حرب واسعة على قطاع غزة، ولا لجم القوة العسكرية والقبضة الأمنية على تخوم خطوط التماس مع مسيرات العودة، وذلك كله في اطار ما صدر عن المجلس الوزاري من تغيير قواعد اللعبة، وتمت صياغة القرار على أساس أن يعمل الجيش وفقاً لمستوى الهدوء، دون تجاوز خطوط التماس، ثم توسيع نطاق "البوادر الطيبة" تجاه القطاع، في حالة الهدوء على تلك التخوم، مساحة الصيد وإدخال الوقود القطري إلى القطاع في النهاية، لم تكن هناك سياسة استراتيجية، بقدر ما يتعلق الأمر بردود فعل تكتيكية ليس إلاّ!


مسيرة الجمعة الأخيرة، كانت "لتحريك" الملف المتعلق بالتهدئة، برعاية مصرية جادة وواضحة. الجهود المصرية، من خلال انسحاب وفد المخابرات وعودته، كانت ضاغطة بهدف إحياء جهود التهدئة من جديد بعد سلسلة من التصعيد المتوازي، إذ سارع الجيش الإسرائيلي لكي يشير إلى ضرورة استغلال أحداث الجمعة "الهادئة" من أجل إرسال رسالة مفادها، أن الهدوء سيقابله هدوء وتحسين الملف الاقتصادي والإنساني في قطاع غزة، ذلك أن هذه الجمعة، حسب تقييم الجيش الإسرائيلي، كانت هي الأهدأ منذ انطلاق فعاليات مسيرات العودة قبل سبعة أشهر، وطالب بإدخال الوقود إلى قطاع غزة اليوم الأحد، إلاّ أن ليبرمان يصرح أنه بانتظار هدوء مستمر لثلاثة أسابيع على الأقل حتى يسمح بتزويد قطاع غزة بالمحروقات اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، في وقت يدعو الجيش إلى الفصل بين "العقوبات" التي يقررها ليبرمان، عن مسار التوصل إلى تهدئة، لأن هذه العقوبات تشكل تحدياً للوصول إلى هذا الهدف، في حين أن المطلوب، حسب الجيش الإسرائيلي، توفير حلول إنسانية بدلاً من سلم العقوبات التي يقررها ليبرمان.


وبانتظار عودة الوفد الأمني المصري خلال الأيام القادمة إلى قطاع غزة، يمكن أن نلمس أن مسيرات الجمعة الماضية، كانت من خلال عودتها إلى مسارها الأول بالابتعاد عن خطوط التماس، وتراجع الإصابات بالنيران الإسرائيلية الحية، مدخلاً للعودة إلى مسار التهدئة من جديد!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد