في وسع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس ، أن يسأل في مقدمة كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: ماذا يحدث لو تم إلغاء اتفاق أوسلو؟ وهل يُدرك العالم الثمن الذي دفعه الفلسطينيين مقابل ذلك الاتفاق؟ وهل تم تنفيذ اتفاق أوسلو وفقاً لما تم التوقيع علية؟ وهل قام راعي الاتفاق بالتأكد من تطبيق بنوده وتحقيق أهدافه؟


يستشعر الرئيس الخطر، ويُثير زوبعةً من الأحاديث الجانبية في أروقة الأمم المتحدة، ما يدفعهم إلى التساؤل: هل سيُعلن الرئيس الفلسطيني إلغاء اتفاق أوسلو؟ نعم يستطيع، وتستطيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ذلك وحل السلطة الفلسطينية، وتفتيت ما تبقى من السيادة الجزئية التي أنتجها الاتفاق ولم تكتمل، وإعلان الاستقلال على الأراضي الفلسطينية وفقاً لميثاق المنظمة قبل تعديله، والدخول في حوار وطني شامل تلتئم فيه كل الأحزاب والفصائل الفلسطينية، خصوصا وأنّ الميثاق القديم يمنح حركتي حماس والجهاد الإسلامي شرف الدخول في إطار المنظمة، وفقاً لشروط الانضمام، وهو امتلاك جناح مسلح كشرط أساسي، وهو ما يُمهد لاستعادة النظام السياسي الفلسطيني هيبته المسلوبة. 


حالة من التراخي في المواقف الوطنية الفلسطينية تجاه حل الأزمات المتتالية التي تعصف بالقضية الفلسطينية منذ توقيع ذلك الاتفاق، فقد فشلت حتى اللحظة كل الجهود لتطبيق باقي بنود الاتفاق، كما فشل في تأسيس نظام سياسي فلسطيني يقبل كل مكونات المجتمع تحت إطاره، كما فشل الاتفاق في حماية نفسه، ويستمر مسلسل الفشل الفلسطيني، فقد فشلنا أيضا في التوصل لأي اتفاق وطني شامل من أجل تنفيذ وتطبيق المصالحة الفلسطينية ، كما فشلت حتى اللحظة جهود الوصول إلى تهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ، ومؤشرات النجاح تتجه في مسار واحد، وهو استمرار فرض الإملاءات الأميركية والإسرائيلية على الفلسطينيين، من خلال تنفيذ بنود صفقة القرن بطريقة انفرادية، مع استمرار مسلسل التهويد في القدس ، وبناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية، وتفاقم الوضع الإنساني والمعيشي داخل أسوار قطاع غزة المحاصر. 


إذا ما هو الحل؟ يتمثل الحل في عودة الفرقاء الفلسطينيين إلى طاولة الحوار من جديد على قاعدة الشراكة السياسية الشاملة، والتي تشمل إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني، وفقاً لمتطلبات المرحلة الحالية التي تعيشها القضية الفلسطينية، من خلال إشراك كافة القوى والفصائل والأحزاب الوطنية الفلسطينية في حوار شامل تتفق من خلاله على نهج وأسلوب يعتمد على بناء مقومات جديدة للنظام السياسي الفلسطيني، ويُلبي رغبات كافة الأحزاب والفصائل ويتفق مع أهدافها ومبادئها وفقاً لطبيعة المرحلة السياسية، والتجاذبات الإقليمية والعربية، ولن يكون ذلك مُتاحاً إلا بعد التوافق على آليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، شكلاً ومضموناً، ومن خلال تبني كافة الأفكار والآراء التي تُساهم في تطوير أدوات النظام السياسي وفقاً للحاجة الفلسطينية. 


ليس من الصعب إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني، فهناك مرجعية لكل الفلسطينيي، وهي منظمة التحرير، وهي تُمثل الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهي الإطار الشرعي والوحيد المُعترف به دولياً وعربياً وأممياً. ولكن طرأ أخيرا تغيّر مجتمعي كبير بعد اشتداد عود حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأصبحتا تمثلان شريحة عريضة من المجتمع الفلسطيني، لذا وجب الحوار معهم والبحث عن الطرق المناسبة لدخولهم تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية. 


نحن نعيش أزمة التوافق على الثوابت الوطنية، فلا يوجد برنامج وطني يجمع أفكار وأهداف الفصائل الفلسطينية تحت مظلة واحدة، ولا يُشكل النظام الحالي أي فرصة لأن تلتقي الفصائل والأحزاب على برنامج سياسي موحد. 


الثقافة السياسية السائدة في برامج الأحزاب والفصائل الفلسطينية، تجمعها هدف واحد، تحرير الأراضي الفلسطينية، في حين تختلف تلك البرامج على الطريقة المناسبة للتحرير، وهو أحد أهم أسباب الصدام السياسي بين الفصائل الفلسطينية، خصوصا بعد توقيع اتفاق أوسلو، وتعديل ميثاق المنظمة الذي اعترف بإسرائيل كدولة قائمة على الأراضي الفلسطينية، وهذا ما ترفضه الأحزاب الأخرى في برامجها السياسية، وهُنا تَكمُن الإشكالية برفض حركتي حماس والجهاد الإسلامي الانضمام لمنظمة التحرير، التي أسقطت من ميثاقها أيضا الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي. 


في نظرة سريعة على ميثاق المنظمة قبل التعديل، فإنه يُلبي طموح الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وفصائله وأحزابه، الآن، والمتغيّر في المعادلة هو اتفاق أوسلو، والذي بموجبه تم تعديل ميثاق المنظمة لتتماشى من متطلبات المرحلة السياسية، والتي أسست (وفقاً لاتفاق أوسلو) لإقامة دولة فلسطينية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة 242 و338. ولكن ما حصل أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بذلك الاتفاق، ولم يتم الوصول إلى حلم الدولة الفلسطينية، فبذلك يُصبح اتفاق أسلو في أعداد الموتى، لأنه لم يتم تنفيذ قراراته وتبعاته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد