لن تتحرر فلسطين بأغنية لفيروز ، و لا برقصة دبكة لفرقة شعبية ترقص على أنغام ثورية ، و لا ببيت شعر لفتى حالم يتحدى الاحتلال ، و لا بحجر بيد فتاة ملثمة كحيلة العينيين، و لا حتى بسكين فاكهة يُستخدم لتقطيع التفاح .

إن فلسطين لن تحررها الكلمات الثائرة و لا الشعارات الرنانة التي تُروج لها معظم الفصائل السياسية الفلسطينية ، و لن تتحرر بالغضب و المشاعر الجياشة و دموع الثكلى و الأرامل عبر شاشات الفضائيات العربية.

فقضية التحرر ليست مجرد مقطع سينمائي لفيلم مصري قديم ، يُصور فاتن حمامة كناشطة سياسية ثائرة، وهي توزع المنشورات السياسية سرا بعيد عن أعين الاستعمار الانجليزي، و ليس مسلسل تاريخي يحاكي انتصارات صلاح الدين الأسطورية ضد الصلبيين، و ليس أغنية عربية لجوليا بطرس تجعل المستمعين يحلقون في السماء، و يشعرون بنشوة الانتصار .

فلسطين لن تتحرر بالبكاء على الأطلال ، أو بتحميل العالم مسئولية الفشل الفلسطيني لتحقيق الحرية و الاستقلال ، فبكل بساطه فلسطين لن تتحرر بالرومانسية السياسية التي تروج لها معظم الفصائل السياسية الفلسطينية ، و التي لديها قناعة كبيرة أن الوسائل التقليدية و القديمة التي يستخدمها الفلسطينيون في التعبير عن احباطهم و يأسهم من استمرار الاحتلال ، سوف تجلب لهم النصر وتحقق لهم حلم الاستقلال.

إن الشعب الفلسطيني لن يصل إلي النصر الحقيقي، طالما استمر بإنكار مسئوليته ومسئولية قادته عن الفشل السياسي الذي يعيشونه منذ عدة عقود . فلابد أن يكون هناك عملية إعادة نظر و تقييم، لما وصلت إليه القضية الفلسطينية من تهميش و تراجع على كافة المستويات العربية و الدولية.

فقد باتت القضية الفلسطينية ، مجرد قضية ميئوس منها يتهرب معظم قادة العالم من التعامل مع ملفاتها ، و تنال شفقة بعض المتضامنين الأجانب.

لابد لنا كشعب فلسطيني، أن نقوم بعمل وقفه حقيقية مع الذات ، و ليس فقط وقفه احتجاجية أمام أحد مباني الأمم المتحدة !

إن ما نلاحظه من طريقة تفكير شبابنا الفلسطيني، و أطفالنا بأنهم يضحون بحياتهم بشكل عشوائي بسبب حماس هم الوطني و عجزهم عن إيجاد حلول للأزمات السياسية الداخلية، يجعلنا هنا نقف و نعيد التفكير بأسلوب التضحية بالنفس دون نتيجه ، أو أثر حقيقي في عصر أصبح به شباب العالم أكثر تمسكا بالحياة .

فالاستمرار بالعيش و الصمود بالحياه في ظل حصار مشدد ، و احتلال غاشم، هو أكبر مقاومة للشعب الفلسطيني الذي يحاول بشتى الطرق المحافظة على جيناته من الانقراض في قبور الموت ، و يحاول أن ينشر هويته الثقافية و الوطنية في كافة أنحاء العالم.

إن فلسطين تحتاج للأحياء الأقوياء، أكثر من الموتى الذين فقدوا حياتهم بسبب حسابات سياسية خاطئة ، و بسبب الاستهتار بقيمه حياتهم الثمينه في بناء الوطن ، فهم كانوا سينفعون وطنهم أكثر وهم أحياء مناضلون، عن طريق العمل على نشر العداله و حقوق الانسان في سبيل الوصول للحرية المنشودة.

علينا كفلسطينيين أن لا نقبع فقط في أقبية الماضي ، بل نفكر بحاضرنا و كيف يمكن أن نحسنه و نجعل منه بستنانا للمستقبل ، مستقبل لدولة فلسطينية مستقله وديمقراطية ، بدلا من أن نبقى معلقين بين الماضي و الحاضر ، لا نستطيع أن نسامح و نغفر أخطاء التاريخ و في نفس الوقت لا نستطيع أن نعيش حاضرنا.

فحياتنا هي حياة معلقة بين الماضي و الحاضر، دون وجود لأية أفاق لمستقبل مشرق و زاهر، يمكن أن يضمن لنا عدم الانقراض و المحافظة على هويتنا الفلسطينية و على روح الحياة و الأمل .

أصبح أطفالنا يشعرون بأنهم رجال ، و أصبح شبابنا يشعرون بأنهم شيوخ ، لا أحد يعيش عمره الحقيقي بسبب كثرة الهموم و الاحباطات .

لذا يجب علينا أن نتخذ أهدافاً واقعية ، بعيدة عن قصص البطولة الخيالية التي نرويها لأطفالنا عند النوم ، يجب أن نفكر بشكل منطقي وواقعي ، فبناء الوطن و تحريره لا يحتاج إلي مشاعر ثائره بل يحتاج إلي عقول ثائرة ، تثور على الظلم و البطاله و الفقر و الجهل و المتاجرة بالدين و أرواح البشر.

هذا ما نحتاجه من أجل تحقيق حلم الحرية ، و ليس الرومانسية السياسية المروية ضمن الروايات الأدبية و بيوت الشعر العربية.

نحتاج إلي يقظه كبيره في عقولنا و ضمائرنا من أجل إنقاذ ما يمكن انقاذه ، قبل أن يتحول ما تبقى من الشعب الفلسطيني إلي مجرد رماد يتطاير من النيران التي حرقت حياة شبابه و أطفاله و نسائه و شيوخه و رجاله بسبب الحسرة و اليأس و قلة الحيلة .

لننظر نظرة عميقة إلي داخلنا ، و نكتشف المؤامرة الداخلية التي نُحيكها ضد أنفسنا ، قبل أن نتهم العالم الخارجي بأنه هو من يتأمر علينا !

لنفكر خارج الصندوق، و نتصور أنفسنا أننا نقف فوق القمر ، ننظر من السماء على وطننا المجروح، لنرى مشاكلنا من الخارج على حقيقتها بدون تجميل أو مبالغه ، عندها سنكتشف أننا نحن المشكلة ، و نحن من جعلنا أنفسنا ضحية لكل شيئ، بسبب الجهل و الغرور ، و عدم قدرتنا على كسب الاصدقاء، و سوء تخطيطنا السياسي الذي جعلنا نكتسب مزيد من الأعداء ، و استسلامنا لمشاعرنا الثائرة بدون أن نتحكم بكمية غضبنا السياسي، حتى نستطيع أن نقنع العالم بحجج قوية، تُثبت حقنا بتقرير المصير و الحرية والتحرر من الاحتلال و نيل الاستقلال.

فالعالم يتغير ، و الشعوب تتوحد، و الحواجز تُزال ، ونحن مازلنا محشورين في بقعة أرضية صغيرة ، لا نستطيع حتى أن نتحكم بها، أو أن نحدد حدودها النهائية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد