العقلية الإسرائيلية لا تزال عاجزة عن فهم واستيعاب مسألة الأسرى الفلسطينيين، وبدلاً من البحث عن حل لهذه المسألة تحاول دوماً ابتداع وسائل للقضاء على فكرة الكفاح لديهم وكسر عزيمتهم وجعلهم عبرة لباقي المواطنين الذين لم ينالوا شرف الأسر.

ومن تلك الوسائل والأساليب إطالة مدة الاعتقال في السجون والمعتقلات لأطول فترة ممكنة.

وعندما لا تجد ما يبرر الاعتقال حتى في اطار القانون الاسرائيلي وما يطبق منه في الاراضي الفلسطينية وخاصة جملة من الأوامر العسكرية الصادرة عن سلطات الاحتلال، يعتمدون الاعتقال الاداري الذي هو عبارة عن اعتقال يتم بموجب قرار اداري من السلطات العسكرية ودون ان يكون هناك غطاء قضائي له اي صدور حكم او قرار محكمة.

ومع أن العالم اصبح لا يتعامل مع الاعتقال الاداري كونه يشكل مساساً خطيراً بحقوق المعتقل ويجري تنفيذه في حالات الخطر الشديد الذي لا يمكن تجاوزه دون هذه الوسيلة، الا ان اسرائيل تعاملت معه كأمر يومي واعتيادي بهدف معاقبة المناضلين الفلسطينيين وليس لتجنب خطر حقيقي، بدليل أن هناك عدداً كبيراً من الأسرى جرى اعتقالهم عدة مرات وكان يفرج عنهم ويعاد اعتقالهم من جديد ولو كانوا بهذه الخطورة ما كان من الممكن أن تفرج اسرائيل عنهم بهذه السهولة.

الموضوع اذاً هو العقاب ليس اكثر وهو سياسي بامتياز ولا يخضع لمخالفة قانون بعينه او أوامر عسكرية.

والادعاءات الاسرائيلية بوجود ملفات سرية لا تستطيع الإفصاح عنها هي ادعاءات فارغة لأسباب يعرفها الإسرائيليون جيداً.

فالمحاكم التي يحاكم أمامها الفلسطينيون هي عسكرية ويمكنها الحفاظ على سرية المعلومات ويمكن ان تكون مغلقة، لو كان الموضوع يتصل بالسرية التي لا تتيح عرض المعتقل على القضاء العسكري المرتبط اساساً بالاحتلال. وكل ما يريده الإسرائيليون هو مجرد الاعتقال وتلقين الشخص المعتقل درساً ومعاقبته على مواقفه وأفعاله التي لا تروق لهم.

غير ان مسألة الاعتقال الاداري اصبحت عبئاً على اسرائيل بعد أن حقق الأسرى الإداريون انجازات مهمة بل سوابق في التاريخ الانساني عندما حطموا أرقاماً قياسية في عدد ايام الاضراب التي خاضوها وخاصة الاسيرين خضر عدنان وسامر العيساوي اللذين فرضا على الاحتلال الافراج عنهما.

واصبح موضوع الاضراب عن الطعام مقلقاً جداً لاسرائيل خاصة للحكومة الحالية المصنفة يمينية جداً والمؤيدة للمستوطنين الذين فرضوا عليها من خلال وزرائهم ومؤيديهم في الكنيست أن تمتنع عن تنفيذ المرحلة الرابعة من الافراج عن الاسرى القدامى حسب الاتفاق مع الولايات المتحدة الذي جاء بناءً على الموافقة الاسرائيلية.

فأي اضراب جديد يعني الافراج عن مزيد من الاسرى الاداريين وهو مالا ترغب فيه الحكومة الاسرائيلية، والقلق الاكبر هو تعرض حياة الاسرى لخطر الموت في ظل اصرار منقطع النظير على تحقيق هدف الحرية.

لهذا تفتقت العقلية الاحتلالية عن محاولة سن قانون يمنع وفاة الاسرى عندما يتعرضون لخطر الموت.

وقد اقترح وزير الامن الداخلي اسحق اهرونوفيتش مشروع قانون يمنح السلطات الاسرائيلية الحق في اطعام الاسرى المضربين بالقوة وتم تمريره في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع تمهيداً لعرضه على الكنيست للمصادقة عليه بالقراءة الأولى والثانية والثالثة ليصبح قانوناً نافذاً.

وهذا قانون يتنافى مع الحق الأساسي للأسرى في الإضراب وتعارضه المنظمات الطبية الدولية كما يتعارض مع إعلاني مالطا وطوكيو.

وهو يعتبر نوعا من الإكراه وحتى التعذيب، وهناك حقيقة واضحة في ذلك تؤكدها الشواهد والتجارب الفلسطينية.

واكثرها دلالة تجربة إضراب أسرى معتقل نفحة في العام 1980، عندما حاولت إدارة السجن فك إضراب الأسرى عن الطعام عبر ادخال الحليب في أمعائهم عن طريق أنبوب مطاطي يعرف بـ "الزندة".

وقد أدت هذه المحاولة إلى استشهاد ثلاثة هم: اسحق مراغة وعلي الجعفري وراسم حلاوة، وفي النهاية نجح الإضراب في تحقيق أهدافه وفرض على مصلحة السجون الاسرائيلية الكف عن محاولة فك إضراب الأسرى عن طريق اطعامهم بالقوة.

ويبدو أن حكومة نتنياهو لا تتعلم من دروس الماضي وتسير عكس التاريخ في كل ما تفعل وهي ترتكب حماقة تلو الاخرى مدفوعة بخوف شديد من اي تحرك فلسطيني قد يؤدي الى إنجاز ما حتى لو كان الإفراج عن معتقلين وجودهم في السجن يتعارض مع القانون وحقوق الانسان.

إضراب المعتقلين الإداريين يأتي في مرحلة مهمة فهو يحدث بعد انضمام فلسطين الى اتفاقيات جنيف للعام 1949والبروتوكول الملحق للعام 1977، بعد أن أصبحت فلسطين عضواً مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهذه المكانة الجديدة لفلسطين تمنحها الحق بالمطالبة بتطبيق الاتفاقات الدولية وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة على المناطق الفلسطينية وعلى الأسرى السياسيين بدرجة أساسية والاتفاقية الثالثة على العسكريين باعتبارهم أسرى حرب، ومعادلتهم على هذا الأساس.

والبحث في معاقبة اسرائيل ان أخلت بهذه الاتفاقات على الرغم من انها لا تعترف بهذه الاتفاقات وترى نفسها فوق القانون.

هناك فرصة جدية لكي يجري التعامل مع اسرائيل دولياً ليس فقط بصفتها دولة احتلال بل كذلك دولة معادية لحقوق الانسان وتنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وهي ليست اقل عداءً للإنسانية من حكومة الابرتهايد البائدة في جنوب افريقيا وحتى حكومة طالبان التي حكمت افغانستان قبل الإطاحة بها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد