توقّع الكثيرون أن تنجح الجهود في التوصل إلى اتفاق تهدئة طويلة بين « حماس » وإسرائيل مع أو دون موافقة الرئيس محمود عباس «أبو مازن»، وبلغ التفاؤل أشده عندما قيل: إن الاتفاق بات جاهزاً وإن التوقيع عليه خلال أيام. ومرت الأيام والأسابيع ولم يتم التوقيع ولم تصل الوساطات إلى النهاية المتوقعة، والسبب في ذلك هو الفيتو الذي وضعه الرئيس أبو مازن على هذا المشروع، ويبدو أن رفضه كان له أقوى الأثر في منع التوصل إلى اتفاق، وهذا يحدث على الرغم من حث الإدارة الأميركية إسرائيل على التوصل إلى اتفاق تهدئة مع «حماس» بغض النظر عن موقف الرئيس أبو مازن.


وعند تحليل موقف جميع الأطراف المنغمسة في مشروع اتفاق المصالحة سنجد الكثير من التعقيدات التي تحول دون النجاح أو تعيقه وتؤجله على الأقل. فمصر التي كانت متحمسة لاتفاق تهدئة تربط الاتفاق بالمصالحة، وهي وإن كانت تلعب دور الوسيط الأهم بين إسرائيل و»حماس» لمنع التدهور الأمني والوصول إلى حرب في قطاع غزة ، وتؤيد بشدة التوصل إلى تهدئة تؤمّن حالة من الاستقرار في القطاع لإعادة بنائه وحلّ كل مشكلاته الاقتصادية والإنسانية، فإنها لا تزال ترى أن التهدئة يجب أن تكون مقترنة بالمصالحة أو تسير في خط مواز، أي بوجود وموافقة القيادة الشرعية والرئيس أبو مازن على وجه الخصوص. ولهذا السبب أجّلت القيادة المصرية جهود التهدئة إلى حين الانتهاء من ملف المصالحة، وحتى يوافق الرئيس أبو مازن. فمصر لا تزال ملتزمة بالعمل مع الشرعية الفلسطينية.


ويبدو أن الجهود المصرية ستركز خلال الأيام القادمة على الحوارات الفصائلية من أجل دفع ملف المصالحة والوحدة، وزيارة وفد «فتح» برئاسة عزام الأحمد وعضوية كل من روحي فتوح و حسين الشيخ كانت لنقل موقف حركة «فتح» إلى مصر، وحسب تصريحات الأحمد كان الموقف الفتحاوي إيجابياً وفاجأ القيادة المصرية. وستكون هناك لقاءات مصرية مع الفصائل في غزة لدفع عملية المصالحة قبل أن يتم الاتفاق على التهدئة التي ترى فيها «فتح» والسلطة قضية وطنية وليست فصائلية، ويجب أن تتم مع قيادة منظمة التحرير. وهناك إعلان واضح على لسان أكثر من مسؤول فتحاوي بأنه ستكون هناك حرب على الاتفاق إذا ما تم دون مصالحة. والبعض يشيع أن السلطة ستنفذ عقوبات شاملة على غزة تشمل كافة مناحي الحياة إذا ما قامت «حماس» بالاتفاق مع إسرائيل.


أما إسرائيل فتجد نفسها في معضلة داخلية جدية، فمن جهة تريد الحكومة الاتفاق مع «حماس» لتكريس الانفصال بين غزة والضفة وتعزيز كيان غزة باعتبارها الدولة الفلسطينية، ولضمان الهدوء والأمن على الجبهة الجنوبية دون دفع أي ثمن سياسي فيما يتعلق بتسوية الصراع. أي تحصل إسرائيل على الأمن دون أن يترتب عليها تغيير سياستها ضد الشعب الفلسطيني سواء باستمرار الاحتلال أم الاستيطان والتهويد والضم واستباحة القدس والضفة الغربية. ومن جهة أخرى هناك مشكلة الجنود والمواطنين الأسرى في غزة والمطالبة بأن يكون الإفراج عنهم جزءاً من الاتفاق على التهدئة. هذا عدا المناكفات والتنافس بين قوى اليمين التي تزايد على بعضها البعض بالتطرف وتدعو بعض الفئات فيها للقضاء على «حماس» والذهاب نحو حرب معها وليس التوصل لاتفاق يكرس وجودها.


وتجد الحكومة الإسرائيلية صعوبة حقيقية في التوصل إلى اتفاق طويل الأمد مع «حماس» دون السلطة الفلسطينية، فالسلطة رغم كل الخلاف معها هي الشريك الرسمي وهي التي تتعاون مع إسرائيل في كل الملفات بما فيها الملف الأمني، فكيف ستبرر الاتفاق مع العدو الذي يريد «إبادتها» حسب مزاعم اليمين الإسرائيلي، والذي تصنفه على أنه منظمة إرهابية. وهل سيمنع الاتفاق تعاظم قوة «حماس» وتهديدها لإسرائيل على المدى البعيد. والتقديرات الأمنية الإسرائيلية تضع احتمال الاتفاق مع «حماس» أو الحرب بنسبة 50% إلى 50%، أي أن احتمال الحرب لا يزال قوياً، وأكثر من هذا إن جيش الاحتلال جاهز الآن لشن حرب على غزة إذا ما تم اتخاذ قرار بذلك.


وبالنسبة لـ»حماس» لا يبدو الموضوع سهلاً في ظل المعارضة الفصائلية الشاملة في إطار منظمة التحرير لعقد اتفاق تهدئة منفصل مع إسرائيل، حيث تعتبره الفصائل تنازلاً مجانياً على المستوى السياسي لصالح إسرائيل ويكرس انفصال غزة عن الضفة ويعتبر تنفيذاً عملياً ل صفقة القرن المشؤومة التي لم تعلن بعد. كما يبدو أن «حماس» ليست على قلب رجل واحد حول موضوع الاتفاق مع إسرائيل وإن كان البعض فيها ينادي بدولة في غزة وتدمير السلطة في الضفة، ولكن سيكون من الصعب على «حماس» أن تنتهي إلى صفقة هزيلة مع إسرائيل تنهي الطابع الذي ميز شعاراتها باعتبارها فصيل مقاومة، فأين ستكون المقاومة والتحرير بعدما تستبدل بسلطة ضعيفة تحت سقف الشروط والإرادة الإسرائيلية قوامها الحفاظ على البقاء في مركز الحكم في غزة؟ 


هذه الصفقة هي أسوأ بكثير من اتفاق «أوسلو» الذي كان ينص على مفاوضات للتسوية الدائمة وعلى فترة زمنية تنتهي باتفاق نهائي توقّعت القيادة أن تحصل في نهايتها على دولة مستقلة في حدود العام 1967. أما اتفاق التهدئة مع غزة دون وحدة يعني القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية وعلى استفراد الاحتلال بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

وحماس اليوم باتت تدرك أكثر من أي وقت مضي قوة رفض الرئيس أبو مازن للصفقة المنفردة مع إسرائيل، فعلى الرغم من ضعف القيادة فهي لا تزال تمسك بالكثير من الأوراق التي دونها لن يتم أي شيء جدي على الساحة الفلسطينية، فمن يفشل صفقة القرن ولا يهمه التعرض لعقوبات وانتقام الإدارة الأميركية لا يستطيع شيء أن يمنعه من الوقوف في وجه أي مشروع آخر. وعلى حماس مراجعة موقفها والذهاب نحو الوحدة أولاً كمخرج وطريق لمواجهة كل المشكلات بما فيها المأساة الإنسانية في غزة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد