تتابع الإدارة الأميركية اتخاذ المزيد من المواقف والإجراءات السياسية، والمالية والإعلامية، تتابع معركتها ضد الفلسطينيين وحقوقهم، وأيضاً ضد المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة وقراراتها ومواثيقها ودورها، طالما أن الحقوق الفلسطينية المستهدفة بالمصادرة، هي حقوق تحظى بالحماية القانونية من قبل الأمم المتحدة.


عبر هذه الإجراءات والمواقف والسياسات تقدم الولايات المتحدة نفسها على أنها العدو الأساسي للشعب الفلسطيني فهي لا تكتفي بتبني المخططات والسياسات الإسرائيلية العنصرية والاحتلالية، بل تبدي حماس ة شديدة، لأن تكون البلدوزر الذي يمهد الأرض، لتنفيذ المخططات التي يقودها اليمين العنصري المتطرف، حتى يبدو أن الطرفين من طينة واحدة.
بعد إعلانها إزاحة ملف القدس عن طاولة المفاوضات، أو الحل وإجراءاتها بحق الأونروا ، تعود الإدارة الأميركية لتؤكد أنها أيضاً ماضية نحو إزاحة ملف حق عودة اللاجئين عن الطاولة، رغم علمها أن هذه الطاولة غير موجودة، وغير موجودة الحلول التي يمكن أن يقبل بها الطرف الفلسطيني.


ثم بعد ذلك تعلن الإدارة عن حجب مئتي مليون دولار، مخصصة لدعم مشاريع في الضفة و غزة ، في محاولة فاشلة لممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية، لإرغامها على التحول عن موقفها من صفقة القرن والعلاقة مع الولايات المتحدة.


إذا كان هذا المال لا يؤثر على ميزانية السلطة باعتباره غير مخصص لدعم صندوقها، فإنه سيترك أثراً على مؤسسات المجتمع المدني وعلى العديد من المشاريع التي تحتاج إلى الدعم والتمويل، غير أن الأهم هو الرسالة التي ينطوي عليها مثل هذا القرار.


بشكل عام يبدو أن البارع في إبرام الصفقات العقارية، الذي يجلس على رأس البيت الأبيض، متوهم بأنه أيضاً يستطيع أن يطبق معرفته بأصول تلك الصفقات على السياسة التي لا يفقه منها شيئاً.


لا يعرف الجاهل في السياسة أن الأوطان والحقوق لا ثمن لها، وأنه، فشل في ابتزاز العديد من الدول، التي صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرارات تؤكد الحقوق الفلسطينية بما فيها حقه في القدس المحتلة.


وعلى نحو أوسع، يبدو أن سياسة الرئيس ترامب، تقود إلى مجابهة مع كل العالم، ما عدا إسرائيل، فهو يتصرف برعونة حتى مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة، وأبناء جلدتها الرأسمالية فيتخذ إجراءات ضريبية ترهق الاقتصاديات الأوروبية، ثم لا يخجل من أن يعتبر أوروبا ضمن قائمة أعداء الولايات المتحدة.


بسهولة ودون عميق تفكير يعلن عن إجراءات عقابية ضد بلد مثل تركيا، عضو الناتو، ويكون السبب المعلن، احتجاز قسيس أميركي.


قبل ذلك كان قد فتح معركة مع إيران وكوريا الشمالية، وكندا أو المكسيك، والمعركة مفتوحة أصلاً مع الصين، وروسيا الاتحادية، ومع عدد من دول أميركا اللاتينية فماذا بقي للولايات المتحدة من حلفاء؟


العالم بوضعيته الراهنة ليس مؤهلاً لإقامة جبهة عالمية لمقاومة العدوانية الأميركية التي تذهب نحو تفكيك أسس الاقتصاد العالمي، وأيضاً تفكيك مؤسسة الأمم المتحدة التي يفترض أنها المسؤولة عن حماية الأمن والسلام الدوليين، لكن على الولايات المتحدة أن تخوض حروبها ضد كل من يخالفها السياسة، والمصالح.


الشعب الفلسطيني الذي يتعرض حقيقة لعدوان أميركي إسرائيلي خطير، لا بد أن يكون في مقدمة القوى التي تقاوم هذا الطاغوت، ولا تتوقف عند حدود إعلان المواقف الرافضة أو الاحتجاجية أو التي تعتمد توصيف واقع الحال.


صفقة القرن ماضية بقوة، لا تمنعها الادعاءات، التي تتحدث عن فشلها أو إمكانية إفشالها فيما لا تتوفر الأدوات والإمكانيات، لتحقيق ذلك، بسبب تفكك وضعف هذه الأدوات، وبالتالي عدم قدرتها على استلام راية القيادة للأمتين العربية والإسلامية، قبل أن نتحدث عن الجبهة العالمية.

الفلسطينيون يتجمعون في القاهرة بعد عطلة عيد الأضحى، لكنهم يحتاجون إلى الوسيط الذي يلعب دوراً في إدارة حوار غير مباشر فيما بين الفرقاء، وفي ظل اشتباك إعلامي ينطوي على التهديد والوعيد، وتبادل الاتهامات.


يدرك الكل أن المصالحة الفلسطينية هي مفتاح الحل بل الحلول للأزمات التي تعصف بالوضع الفلسطيني بكل مكوناته، وتتجلى أكثر في قطاع غزة حيث الحصار المستمر منذ اثني عشر عاماً.


يبدو أن على الفلسطينيين كافة أن يتذكروا مسألتين: الأولى أن الولايات المتحدة أعلنت  ومارست على أساس ذلك الإعلان، أنها ماضية في فرض صفقة القرن، حتى لو أن الفلسطينيين رفضوا وقاوموا. أما المسألة الثانية فتتعلق بقوة واثر استخدام المال. 


فإذا كانت المؤسسة الوطنية الفلسطينية منظمة كانت أم سلطة، لم تخضع للابتزاز الأميركي الذي يستخدم المال وسيلة، فإن هذا المال لن ينفع أيضاً في إرغام أطراف الانقسام على التحول عن حساباتها إزاء شروط المصالحة. 


والحال هو أنه إذا اجتمع العالم على ضرورة معالجة ملف غزة، بذرائع إنسانية ودوافع سياسية، فإن هذا العالم سيكون قادراً على توفير المال اللازم لتغيير الواقع في غزة، حتى لو ملأ صراخ البعض كل الدنيا ما يدفع إلى التأكيد على أن أولوية التغيير ينبغي أن تكون وطنية، وإلاّ... .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد