لا يزال قانون القومية الذي أقره الكنيست الإسرائيلي مؤخراً يحظى بالكثير من الانتقادات والجدل سواء في إسرائيل أو خارجها.


ففي إسرائيل تزداد الانتقادات والاحتجاجات وتتعاظم يوماً بعد يوم وبعضها وصل إلى رفع قضايا في المحاكم ضد القانون الجديد الذي حظي بدعم 62 صوتاً ضد 55 من أعضاء البرلمان. وفي هذا الإطار كانت الانتقادات واضحة وقاطعة من أدباء وكتاب وسياسيين ورجال أمن سابقين ورجال دين ومن فئات عديدة من اليهود، هذا طبعاً غير الرفض العارم والشامل للقانون من الجماهير العربية قاطبة وربما يحتل الدروز مكانة خاصة في رفض القانون لدى الرأي العام اليهودي ليس فقط لكونهم يعارضون القانون بصورة قوية ومؤثرة دفعتهم لتنظيم تظاهرة وهي من المرات القليلة التي يتظاهرون فيها، للتعبير عن رفضهم للقانون الجائر، بل كذلك لأنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويدفعون الثمن كما كل اليهود. 
كما برز الانتقاد في استطلاعات الرأي التي أجريت في الأيام الأخيرة وأهمها مقياس السلام حتى رأى 61% من الجمهور الإسرائيلي ضرورة تعديل القانون وشمله موضوع المساواة.


وفي الواقع هناك قلق لدى أوساط مهمة من المثقفين والسياسيين والخبراء في القانون الدولي   الإسرائيليين من تأثير القانون على سمعة إسرائيل ومكانتها الدولية. 


ويقول بعض الخبراء إن القانون يرقى إلى مستوى العنصرية بامتياز ولا مثيل له في أي قانون أوروبي حتى في أكثر القوميات تعصباً كما في هنغاريا على سبيل المثال. 


وهو يختلف عن القوانين الأخرى ذات الطابع القومي في كونه لا يترك فضاءً شاملاً لكل المواطنين في إسرائيل، وهو يتحدث عن اليهود فقط ولا يشمل غيرهم، كما أنه ينص على حق تقرير المصير حصراً لليهود ولا يعترف بتقرير المصير لغير اليهود وهذا لا يوجد في أي قانون قومي أوروبي. 


وهنا يفسر تقرير المصير بالحق في الحفاظ على التميز في الهوية الثقافية والقومية وتنميتها. وليس بالضرورة على الاستقلال عن الدولة، ولعل الموقف من اللغة العربية وإلغاء صفتها الرسمية هو دليل على هذا. 


أما الأمر الثالث الذي يختلف فيه القانون عن غيره فهو عدم نصه على المساواة في الحقوق الفردية، بمعنى أن المواطنين في الدولة غير متساوين في الحقوق أمام القانون.


وبالعودة إلى الوراء أي عندما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/11/1975 في قرارها رقم 3379 اعتبار "الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، بالاستناد إلى "الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله" المقرة في 12/12/1965، وقرار الجمعية العامة منذ العام 1963 بهذا الخصوص، كانت إسرائيل في ذلك الوقت أفضل بكثير من اليوم. 


وكان قرار الجمعية العامة عبارة عن حصيلة لمواقف منظمات ومجموعات دولية عديدة منها المؤتمر الإسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الإفريقية والمؤتمر العالمي للمرأة وجميعها اتخذت قرارات بإدانة إسرائيل وسياستها العنصرية ضد الفلسطينيين. 


وللأسف ألغي القرار في العام 1991 بضغط من الولايات المتحدة وبصمت وموافقة قسم من الدول العربية حيث عارض قرار الإلغاء 15 دولة عربية فقط، وقد استغلت واشنطن انعقاد مؤتمر مدريد للسلام كمدخل لإلغاء القرار. 


ولا شك في أن اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية نبع من سياسة التمييز التي اتخذتها إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين منذ نشأتها، فقد اعتبرت أنها دولة يهودية واعتمدت سياسة التهويد ومصادرة الأراضي المملوكة للفلسطينيين سكان البلاد الأصليين ومنحتها لليهود ومنعت الفلسطينيين من التوسع، وفرضت عليهم القوانين العسكرية وأنظمة الطوارئ ومارست ضدهم مختلف أشكال التمييز العنصري في كافة مجالات الحياة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً. 


كما أقرت قانون العودة لليهود حصراً ومنعت المواطنين الفلسطينيين الذين شردوا وهجروا من العودة إلى ديارهم تطبيقاً للقرار الأممي رقم 194 الذي كان شرطاً للاعتراف بإسرائيل. 
وجاء الاحتلال الإسرائيلي لباقي الأراضي الفلسطينية ليتوج السياسة الإسرائيلية العنصرية وليكون مبرراً إضافياً لوصم إسرائيل بالعنصرية.


واليوم تظهر إسرائيل بأبشع صورها العنصرية وبشكل يفوق بكثير ما كانت تدعيه في السابق، فعلى الأقل كانت العنصرية في قسم منها غير مقننة وكانت تمارس بشكل عملي، أما اليوم فالعنصرية والتمييز قانون أساس، بمعنى أن من يخالفه يتعرض للعقوبة. 


وبذلك تصبح العنصرية ملزمة وعلامة مميزة لدولة إسرائيل الصهيونية التي عادت للجذور بشكل أسوأ بكثير مما حاولت إظهار نفسها باعتبارها تنتمي إلى العالم الديمقراطي المتمدن القائم على مبادئ حقوق الإنسان مع أنها دولة احتلال ولا يستوي الاحتلال مع احترام حقوق الإنسان، بل إن إسرائيل الجديدة عنصرية حتى تجاه بعض الفئات من اليهود وخاصة من ذوي البشرة السوداء الذين لا يحظون بالمساواة ويعاملون بازدراء وبدونية.

مع قانون القومية الجديد واستثماراً لما خلفه من انتقادات وجدل ومعارضة داخلياً وخارجياً ينبغي العودة لطرح موضوع المساواة بين إسرائيل الصهيونية وبين العنصرية واستصدار قرار أممي جديد بهذا الصدد على غرار القرار رقم 3379، وبحيث يكون إلغاؤه رهناً بإلغاء قانون القومية وتطبيق المساواة الكاملة في إسرائيل بين المواطنين اليهود والفلسطينيين وأيضاً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967 وحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه الوطنية في تقرير المصير والعودة والدولة المستقلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد