بينما يحذر مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام ملادينوف من احتمال وقوع حرب على قطاع غزة ، ويقصد بالطبع عدوانا عسكريا إسرائيليا واسعا، فإنه لا يفوت أمثاله من المسؤولين أن الحرب على القطاع مفتوحة منذ بعض الوقت وأن نتائجها لا تقل أبداً عن نتائج العدوانات العسكرية.


الكل يتباكى على قطاع غزة بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية التي تخلف دماراً اجتماعياً واقتصادياً وصحياً، لكن هذا التباكي، يخرج عن بعده الإنساني وتتضارب من خلاله أهداف سياسية متناقضة.


مجلس الأمن الذي اجتمع منذ يوم أول من أمس، في مناقشة مفتوحة حول الأوضاع في فلسطين، مع التركيز على قطاع غزة، لا يملك القدرة، على اتخاذ قرارات وإجراءات ملموسة، لا وقف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق القدس ، والأرض، وقرارات وهيبة الأمم المتحدة، ولا وقف الحصار الظالم الذي يخنق مليوني إنسان في غزة.


لكأن غزة، تقع في مركز ميزان الأرض، إذ تحظى بدموع سخية، وتهديدات قوية، ظناً بأن انهيارها، يعيد التوازن المختل لحركة الأرض. 


عشرات آلاف الموظفين العاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، يصرخون، ويحتجون ويحاصرون المركز الإقليمي للمؤسسة الدولية، رفضاً لقرارات الإقصاء التي تبدأ بفئات معينة تشمل المئات ثم تستمر لتحصد آلاف الموظفين من فئات أخرى.


حالات إغماء وغضب، وربما يتبع ذلك عديد محاولات الانتحار، لكن إدارة الوكالة، لا تبدي الحد الأدنى من المسؤولية، أو الشفقة، ذلك انهم المكلفون إنفاذ مؤامرة القضاء على « الأونروا ». الاحتجاجات ضد سياسات تقليص الخدمات التي تقدمها « الاونروا » لم تتوقف في عديد الأقاليم المسؤولة عن إدارتها منذ سنوات، لكن هذه المؤسسة لم تتوقف عن تقليص الخدمات إلى ما هو دون الحد الأدنى، حتى قبل أن تضعها الولايات المتحدة على حافة الهاوية.


في كل عام، تشكو «الاونروا» من عجز ماليتها، ولا تجد الا سبيلاً واحداً، لتفادي ذلك العجز الا من خلال تقليص المزيد من الخدمات والاستغناء عن مزيد من الموظفين.


ثمة من يحذر من أن العام الدراسي الجاري سيشهد ارتباكاً وقد لا تتمكن المدارس من فتح أبوابها واستيعاب التلاميذ، بسبب عجز «الاونروا» عن تغطية نفقاتها.


الموظفون الأجانب يستنزفون قسماً لا بأس به من ميزانية «الاونروا» لأن مرتباتهم وامتيازاتهم تفوق بمرات، مرتبات أقرانهم من الموظفين الفلسطينيين، وحين ينقصها المال، يقوم الموظفون الأجانب بتقليص المزيد من الخدمات والمزيد من الموظفين.


المؤامرة على «الاونروا» هي بالضبط وبدون لف أو دوران مؤامرة على حق عودة اللاجئين، ولذلك فإن عداد الأزمة التي تعاني منها، قد بدأ يتحرك على نحو ملموس مع بدايات توقيع اتفاقيات أوسلو، وكلما أوغلت المفاوضات السياسية في التحرك نحو فشل يسلم آخر، كانت الاونروا، تتحرك هي الأخرى من عجز إلى آخر.


أما وقد بلغت مسيرة أوسلو منتهاها، ووضعت المفاوضات اوزارها وتم استبدال آلياتها، بتفرد الولايات المتحدة، التي تسعى وراء ما يسمى ب صفقة القرن ، فقد حان على ما يبدو زمن اختفاء هذه المؤسسة الدولية بكل ما ترمز اليه، وكل ما تقوم به.


في هذه المسيرة، لا يمكن تجاهل ضعف الموقف الفلسطيني والعربي، تجاه حق العودة، وبالتالي تجاه المؤسسة الدولية التي تعبر عنها وعن قرار الأمم المتحدة رقم 194، فالمسألة لم تعد حتى قضية يمكن التفاوض عليها، إذ إن المطلوب أميركياً وإسرائيلياً إزاحتها نهائياً عن طاولة التداول.


سيندم الفلسطينيون أيما ندم، إن هم تركوا معركة بقاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فقط لموظفي الوكالة، أو المتضررين من قراراتها، ولا نظنهم اليوم غير نادمين على تواطئهم مع الأمم المتحدة حين شطبت قرار الجمعية العامة، الذي ينص على أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية.


وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فإن ما يجري يشير إلى نقص فادح في إيمان القيادات السياسية، وإزاء لدغات قاتلة. كيف لهم اليوم أن يعيدوا في أروقة الأمم المتحدة النقاش ولاتخاذ قرار متطابق مع هوية إسرائيل العنصرية، باعتبار أن الصهيونية حقيقة شكل من أشكال العنصرية، تجسدها إسرائيل على نحو واضح وفاضح من خلال تشريع أساس القومية.


الحرب إذاً مفتوحة وضارية ضد قطاع غزة، إذ لا يكفي ما يخلفه الحصار من أزمات إنسانية طاحنة، حتى يأتي دور الوكالة ومَن وراءها لدفع هذه الحرب نحو نهايات مأساوية.


الحركة الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة، تقوم على مرتبات الموظفين أساساً بالإضافة إلى دور محدود للقطاع الخاص. فإذا كان الحصار قد أطاح بالقطاع الخاص حتى لم يعد قادراً على تلبية الحد الأدنى من استيعاب بعض العاملين والموظفين، وتدهورت الأحوال، بسبب إجراءات السلطة بحق عشرات آلاف الموظفين، في حين لا يحصل موظفو القطاع العام من حركة حماس على أكثر من 40% من رواتبهم، فإن الوضع الاقتصادي في القطاع سيصل إلى الصفر. سنضيف إلى ذلك أن منظمات المجتمع المدني، التي تستوعب عدداً أقل من الموظفين والعاملين، قد تعرضت إلى التهشيم والتقييد، وحتى الإقصاء، فإن قطاع غزة يُترك لكي يأكل الرمل.


«الاونروا» هي عنوان معركة مصيرية، خطيرة، ليس بما تعنيه وترمز إليه، وإنما أيضاً بما تقدمه من خدمات، ولذلك وجب على الفلسطينيين أن ينهضوا جميعاً، لمواجهة هذه المعركة ومن يقف خلفها وأولهم الولايات المتحدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد