تعودنا في الفترة الأخيرة على أن نصحو على أخبار جديدة تتعلق بالمصالحة والوحدة الوطنية وفي كل مرة تنتهي المحاولات والوساطات بالفشل. وهذه المرة يدور الحديث عن ورقة مصرية تحاول جمع شتات المواقف، جرى التفاهم بشأنها مع حركة حماس وترد عليها حركة فتح بصورة رسمية مكتوبة عبر وفد ينتظر المغادرة إلى القاهرة لتسليم الرد للأشقاء في مصر. وفي هذا المقام يحضرني القول الشهير، "لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل". مع ذلك في هذه الجولة هناك جديد وهو الموقف الإسرائيلي الذي كما تقول الصحافة الإسرائيلية لا يضع "فيتو" على المصالحة الفلسطينية . وهذا غريب بعض الشيء بالنظر إلى موقف إسرائيل من حركة حماس ورفضها الدائم لفكرة أن تكون "حماس" في الحكومة أو المؤسسة القيادية.


في الواقع وبالرغم من التفاؤل الذي يبديه البعض، إلا أن التداول بالمعلومات المتعلقة بالمقترحات الجديدة لا يوحي بالكثير من التفاؤل فـ"حماس" تقول إنها وافقت على الورقة المصرية، وبعض قيادات "فتح" يقول إنها ورقة مصرية - حمساوية وبحاجة لنقاش، والرد الفتحاوي يحاول إيجاد صيغة تكون مقبولة اكثر عند "فتح" أو تنسجم مع موقف "فتح" السابق من قضايا المصالحة والوحدة الوطنية. وإذا كانت هناك موافقة مبدئية من الجميع فالشيطان يكمن في التفاصيل وكل مرة نجد أنفسنا عالقين في مشاكل مستعصية.


يبدو أن الموقف الإسرائيلي الجديد من قضية المصالحة يتغير بناء على تقديرات إسرائيلية بأن المصالحة لن تنجح بفعل عوامل داخلية لا علاقة لها بإسرائيل بشكل مباشر. وبالتالي فإسرائيل تعتقد أن الأطراف الفلسطينية المعنية لن تتفق على توحيد السلطة والمؤسسة القيادية بسبب تجاذبات المصالح الشخصية والفئوية وبسبب بعض التدخلات الإقليمية السلبية. والأفضل لإسرائيل أن تبدي موقفاً إيجابياً وتراهن على الفشل الذاتي، باعتبار أنها معنية بوضع حد للمشاكل مع قطاع غزة . وهناك رأي آخر يقول إنه بعد فشل مشروع "غزة أولاً" الذي كانت تتبناه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والقائم على فكرة إعادة إعمار غزة وتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة فيها وتغيير الواقع الإنساني والاقتصادي - الاجتماعي في غزة تمهيداً لما يسمى صفقة القرن التي يقول المبعوث الأميركي والمكلف الملف جاريد كوشنر إنها باتت جاهزة ولا يعرف متى سيعلن عنها، وصلت إسرائيل إلى قناعة بأن عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة قد يكون المدخل لتغيير الوضع في قطاع غزة من كل النواحي.


والواضح أن إسرائيل تعي أن قطاع غزة لا يمكن السيطرة عليه في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الموطنون فيه. ولعل مسيرات العودة وموجة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة أحد أهم الدلائل على قابلية الوضع للانفجار سواء بشكل عفوي أو مقصود. وتدرك إسرائيل كذلك أن "حماس" عندما ترى أن الأمور باتت صعبة للغاية ويمكن أن تتحول الجماهير ضدها ستعمد إلى تصعيد الأمور مع الاحتلال الإسرائيلي تماماً على غرار ما جرى بالأشهر الأخيرة. وإسرائيل في الحقيقة ليست معنية بحرب جديدة مع غزة ذات الواقع الإنساني الكارثي مع أنها من الممكن أن تنجر لمثل هذه الحرب في ظروف معينة.


ولهذا ربما تغير التفكير الإسرائيلي على ضوء فشل إدارة الرئيس دونالد ترامب في تجنيد الدعم المادي لمشروع "غزة أولاً"، وباتت إسرائيل تبحث عن حلول أكثر عملية، وهذا طبعاً مرتبط بإمكانية نجاح المحاولة المصرية الجديدة. وقد يكون التغيير في الموقف الإسرائيلي ناجما عن عدم قلق إسرائيل بتاتاً من فكرة توحيد الأراضي والقيادة الفلسطينية، فهي مسلحة بموقف أميركي يخرج عن سياق المألوف في العملية السياسية ولا خطر عليها من الوحدة الوطنية الفلسطينية كما كان الحال سابقاً في ظل الإدارة الديمقراطية. فقوة الوضع الفلسطيني قد لا تغير من المعادلة القائمة بانتظار تغيرات جوهرية في الموقف الدولي.


مهما يكن الدافع للمتغير الإسرائيلي، لا بد من رؤية الأمور من زاوية فلسطينية وحساب الأولويات بناء على المصلحة الوطنية العليا. والوحدة الوطنية هي الأولوية العاجلة والملحة في المرحلة الحالية، ليس فقط للتهيئة للتغيرات الدولية التي ستأتي بعد مرحلة ترامب، بل لإنقاذ المجتمع الفلسطيني من واقع كارثي ومأساوي يهدد بضياع كل ما حققه نضال الشعب الفلسطيني من إنجازات أو على الأقل ما تبقى منها.

وفي هذا السياق علينا أن نثبت لأنفسنا قبل أي طرف آخر أننا مؤهلون لإدارة شؤوننا بنجاعة وقادرون على بناء دولة مستقلة عصرية تستطيع أن تكون عضواً مفيداً وإيجابياً في المجتمع الدولي. والواقع أننا فشلنا في إثبات ذلك بالانقلاب والانقسام الذي يترسخ يوماً بعد يوم والذي يشجع المجتمع الدولي على البحث عن حلول قد لا تكون الدولة المستقلة الموحدة في مقدمتها. ونحن نستطيع أن نقول عن أنفسنا وجدارتنا ما نشاء ولكن الواقع الذي يشاهده العالم اليوم، يشير إلى صورة سلبية معاكسة لكل الخطاب الإيجابي عن إنجازات سلطتنا. بل إن المجتمع الدولي اليوم بات محبطاً من سوء أدائنا وإدارتنا وفشلنا في التوحد وتجديد الحياة الديمقراطية والقضاء على الفساد والترهل والمأساة الإنسانية التي يعيشها حوالي 2 مليون فلسطيني، فمتى ننتصر لأنفسنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد