بلغت الحكومة الفلسطينية، برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، من العمر أربع سنوات، فهي نتاج زواج فصائلي فلسطيني بـ"الإكراه"، وتوافق وطني بين حركتي فتح و حماس ، فيما يُعرف باتفاق الشاطئ 2014. وقتها تشابكت الأيادي في منزل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية ، ورفيقه في الحركة، موسى أبو مرزوق، مع أيدي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، وبحضور وفد فصائلي من الضفة الغربية وقطاع غزة . حينها قال إسماعيل هنية، "لقد أصبح الانقسام خلف ظهورنا"، وتم تشكيل هذه الحكومة والموافقة عليها فصائلياً، وحصلت فيما بعد على صفة "حكومة الرئيس".
لم تمر عدة أسابيع على عمل حكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة والضفة الغربية، حتى باغتها الاحتلال الإسرائيلي بشن عدوان كبير مدته 51 يوماً على قطاع غزة. وبذلك أطلق الاحتلال الرصاصة الأولى على عمل تلك الحكومة، ووضعها في اختبار حقيقي، وهو إعمار القطاع.
كان القطاع في 2014 كوما كبيرا من الأحجار والأنقاض، وبدأت بعدها عجلة الصراع الفصائلي بين حركتي فتح وحماس تدور من جديد، حول طرق الإعمار ومن المسؤول وكيفية الإعمار وأين تذهب أموال الإعمار، وكيفية الاستفادة من الأموال التي تم تخصصيها للإعمار في مؤتمر المانحين في القاهرة... لقد فرضت إسرائيل معادلتها على إعادة إعمار القطاع، وفق خطة "سيري"، وبرقابة دولية على طرق وآليات إدخال المواد للقطاع.
أخذت عملية الإعمار وقتا طويلا، وعاشت ظروفا معقدة. وإلى الآن، هناك أسر عديدة لم يتم إعمار منازلها، ولا زال أصحاب المنشآت الصناعية والوروش الصغيرة ينتظرون التعويض من الحكومة التي لا تفي بوعودها دوماً.
عاش القطاع في ظل وجود حكومة التوافق الوطني أسوا أيامه، فقد تم تعزيز الانقسام الفلسطيني في مارس/ آذار 2017، بعدما أعلنت حركة حماس تشكيل اللجنة الإدارية، بعدما تخلت حكومة الوفاق عن تأدية عملها في القطاع، وأنها حالة اضطرارية مؤقتة للتنسيق بين الوزارات في غزة، بسبب غياب حكومة التوافق، حسب ما تقول حركة حماس، وكان ذلك بمثابة الرصاصة الثانية التي توجه للحكومة.
في إبريل/ نيسان في العام نفسه، اتخذت السلطة الفلسطينية في رام الله إجراءً رادعا من وجهه نظرها، رداً على تشكيل حركة حماس اللجنة الإدارية، فقامت باقتطاع نسبة 30% من رواتب موظفي القطاع الخاص في غزة، والذين يتم صرف رواتبهم من حكومة التوافق. خرج بعدها عشرات الآلاف من الموظفين ضد قرار الحكومة بالقرب من مفرق السرايا وسط مدينة غزة، وكانت هذه بمثابة الرصاصة الثالثة.
في عهد حكومة الحمد الله، توالت العقوبات على القطاع، واستمرت الحكومة في تقليص الرواتب، وتقليص منتفعي برنامج الشؤون الاجتماعية، وعدم الالتزام بدفع الأموال مقابل الكهرباء التي تصل من إسرائيل إلى سكان القطاع.
واصلت الحكومة برنامجها التعذيبي ضد سكان القطاع وموظفيها، وأحالت عددا كبيرا منهم إلى التقاعد المبكر، وعدد آخر تم قطع راتبه، بحجة الانتماء لتيار القائد السابق في فتح، محمد دحلان ، وآخرين تم خصم 50% من رواتبهم، خصوصا بعد حادثة تفجير موكب الحمد الله في مارس/ آذار من العام الحالي.
قَدر محللون اقتصاديون قيمة الخصومات على موظفي قطاع غزة بـ 15 مليون دولار شهرياً، وعند جمعهم وضربهم في 14 شهرا، يتضح أنه تم حرمان القطاع من مبلغ 210 مليون دولار. ذلك المبلغ تم حرمان السوق المحلي في القطاع من الاستفادة منه، وهو السبب في إصابة القطاع بالشلل الاقتصادي، وانعدام الحركة التجارية، وهو السبب في دخول تجارٍ كثيرين السجن بسبب تراكم الديون عليهم.
أوصلتنا حكومة الحمد الله إلى "الصفر الكبير"، فقد اكتسبت غضب الشارع في غزة، وأخيرا في رام الله، رافضاً تلك الإجراءات العقابية التي استهدفت قوت الأطفال والنساء والشيوخ.
أعي تماماً أن ذلك كله ربما يكون مبرراً لإسقاط الحكومة، وعليها أن تُقدم استقالتها للرئيس، وتذهب أدراج الرياح. ولكن ما دفعني إلى أن كتب ذلك ما يلي: يعيش داخل سجن نفحة الصحراوي أسيران فلسطينيان، من قطاع غزة ومن مدينة رام الله، يتقاسمان ألم السجن ومرارة الفراق عن الأهل، قدموا زهرات شبابهم خدمة للقضية الفلسطينية، كُل منهما محكوم بمؤبد أو اثنين. المؤسف أن أحدهم يتقاضى راتباً كاملاً لأنه من رام الله، أما الآخر فيتقاضى 50% من راتبه، لأنه من غزة.. تبا لحكومة فرقت بين أبناء الشعب الفلسطيني، ومزقت النسيج الاجتماعي، وسحقاً لحكومةٍ فرقت بين الأسرى وفقاً لنظرية الجغرافيا. وهذه لا بد أن تكون رصاصة الرحمة على حكومة التوافق الوطني، فإلى متى سنصبر على تلك الحكومة التي اتخذت من التوافق الوطني اسماً لها، لتبيع المواطن هموم الوطنية؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية