آخر استطلاعات الرأي الذي نشر في موقع "واللا" في إسرائيل في يوم الأحد الماضي، والذي نفذه مركز "بانلز بوليتكس"، يظهر تقدم حزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الحالي على كل الأحزاب الأخرى بفارق كبير. فقد حصل " الليكود" على 34 مقعداً في البرلمان بالمقارنة مع حزب "يوجد مستقبل" بقيادة يائير لبيد الحزب الثاني في الترتيب الذي حصل فقط على 16 مقعداً، علماً بأن " الليكود" حصل على 29 مقعداً في الاستطلاع السابق. وهذا التقدم على ما يبدو ناجم عن الشعور الإسرائيلي بالتهديد الأمني وعلى خلفية التصعيد الحاصل في المنطقة والمواجهة المحدودة مع قطاع غزة بما في ذلك مسيرات العودة والطائرات الورقية الحارقة. وكذلك بسبب الادعاء بكشف الأرشيف النووي الإيراني الذي يؤكد رغبة إيران في انتاج سلاح نووي، وأنها تملك برنامجاً عسكرياً، على الرغم من عدم تعاطي المجتمع الدولي ما عدا الولايات المتحدة الأميركية مع هذه الادعاءات ونشر بعض الدول معلومات تشير إلى أن ما تقوله إسرائيل هو معلوم لديها في السابق وأن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي معها.
الضحية الأبرز في الاستطلاع المذكور هو حزب "العمل" الذي نال مع حزب "الحركة" 10 مقاعد فقط، بانخفاض كبير عن مرات سابقة وهو عملياً في حالة تدهور وانحدار مستمرة، والاستنتاج الأبرز لهبوط "العمل" هو أن كل محاولات قيادة الحزب للتخلص من "لعنة" اليسار والتماهي أكثر مع اليمين تؤدي إلى نتائج عكسية، بمعنى أنها تعزز اليمين وتفقد "العمل" قطاعات واسعة من جمهوره ومؤيديه. ويظهر استطلاع الرأي كذلك أن الأحزاب المؤلفة للحكومة الحالية تزداد قوة وترتفع حصيلة مقاعدها في الكنيست من 61 مقعداً إلى 70 مقعداً.
لقد نجح اليمين الإسرائيلي المتطرف في إثارة خوف الجمهور الإسرائيلي من التطورات الحاصلة في الإقليم ومن التهديدات المزعومة على الأمن الإسرائيلي والتي تستدعي وجود اليمين في الحكم لقدرته على التعامل مع هذه التحديات على عكس أحزاب الوسط واليسار التي بدأت تنحو نحو اليمين وتتبنى مواقفه، وتثبت بطريقة غير مباشرة بأن نظرية اليمين لحل الصراع باتت مقبولة ويمكن التعاطي معها بصورة جزئية أو كلية طبقاً لدرجة انحراف قادة هذه الأحزاب وذهابهم باتجاه اليمين. ولا شك أن استخدام القوة المفرطة من قبل السلطات الإسرائيلية في التعاطي مع تظاهرات غزة ومحاولة جر الفصائل لمواجهة عسكرية محدودة هناك، وقيام إسرائيل بتوجيه ضربات للقوات الإيرانية والسورية المتواجدة على الأراضي السورية ينظر اليها على أنها خطوات مقبولة بل ومطلوبة للدفاع عن أمن ومصالح إسرائيل. وهنا أيضاً تساهم تصريحات ومواقف أحزاب المعارضة المؤيدة والمباركة للتصعيد والعنف الإسرائيلي في تعزيز هذا الشعور لدى المواطنين الإسرائيليين.
ولو نظرنا إلى التغيرات الأخيرة في مواقف قيادات حزب "العمل" على سبيل المثال، سنجد أننا أمام مرحلة من ازدياد حدة التطرف والميل نحو العنف وفرض الأمر الواقع بالقوة على الفلسطينيين والإقليم عموماً. فبعد سقوط رئيس الحزب أفي غباي في تصريحه المثير للجدل بأنه لا يوجد شيء يجمعه مع القائمة المشتركة، أي عدم رغبته في أن تكون القائمة جزءاً من ائتلاف مع "العمل"، وإعلانه أنه لا يمكن تفكيك مستوطنات في اية تسوية قادمة، يستمر التحول يميناً في إطار قيادة الحزب، فايتان كابل النائب والقيادي في "العمل" الذي شغل مناصب مهمة بما فيها وزارية في الحكومة يطرح خطة أو مبادرة سياسية جديدة تقوم على فكرة استحالة التوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين في هذه المرحلة، وعلى أن استمرار الوضع الحالي سيقود إلى دولة ثنائية القومية، وعليه يطالب كابل بتحديد الكتل الاستيطانية التي ترغب إسرائيل بضمها والتي من وجهة نظره تشمل: "غوش عتصيون" و"معاليه أدوميم" و "كارني شومرون" و"أريئيل" وتجمع مستوطنات غور الأردن التي تضم حوالي 300 ألف مستوطن من أصل 400 ألف يعيشون في الضفة ما عدا القدس المحتلة، ومن ثم فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة عليها من جانب واحد، وتجميد الاسيتطان خارج النطاق المحدد لهذه الكتل.
أما المجموعة التي تسمي نفسها "التيار المركزي" في "العمل" وتضم كلاً من ميخائيل بار زوهر الذي يترأس هذا التيار وإيتان بروشي وحيليك بار ونحمان شاي وإيلين نحمياس فيربين ورافيطال سويد وداني عطار وعومر بارليف وليئا فديدا فيطرح الخطة التالية: إعطاء مهلة محددة للمفاوضات لا تتجاوز 18 شهراً تدور حول خطة الرئيس الأميركي ترامب، وإذا لم تفض المفاوضات إلى اتفاق تقوم إسرائيل بضم الكتل الاستيطانية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وهي غالباً الكتل التي تحدث عنها كابل وتشمل غور الأردن، وترسم إسرائيل بذلك حدودها النهائية من جانب واحد مع إبقاء الجيش الإسرائيلي منتشراً في الضفة الغربية. وفي ما تبقى من مناطق الضفة يستطيع الفلسطينيون أن يعلنوا دولة أو ينضموا للأردن أو أن يشكلوا كونفدرالية معه أو أية صيغة يرونها.
عملياً ينسجم الموقف الجديد لأصحاب هذه المبادرات، التي تلقى صدى واسعاً في أوساط قيادات الحزب المتآكل بالأساس بسبب هذه التوجهات التي لن تنقذه بل تزيده غرقاً، مع مواقف اليمين المتطرف الذي ينادي هو الآخر بضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها لدولة إسرائيل وعدم انتظار التسوية السياسية. وكلها تندرج في إطار عملية الهروب إلى الأمام التي ستقود فقط إلى إدامة الصراع وتعقيده، وبالتأكيد إلى استدعاء العنف والمواجهات والحروب الدموية. وهذا للأسف هو لسان حال إسرائيل الذاهبة نحو المزيد من التطرف والتشدد ليس فقط في الصراع مع الفلسطينيين، بل وكذلك في إدارة الشؤون الداخلية المتعلقة بطبيعة الدولة وحقوق مواطنيها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد