وحده يمثلني من يبذل روحه في ميادين الفداء ولا ينتظر منة من أحد ولا شكورا , وحده يمثلني من يكتب لنا النصر بدمائه وأشلائه ويغادرنا مبتسما، وحده يمثلني من تتوحد خلف وجهه المزين بالدماء , جماهير الشعب وتركض وراء جنازته أفرادا وجماعات، وحده يمثلني من يواجه الرصاص ولا يتراجع، من تصب عليه حمم الطائرات ولا يرتد على عقبيه ,وعيون بارودته نحو القدس شاخصة، وحدهم الشهداء ممثلي القضية والشعب بلا منافس، وحدهم الشهداء رايات الوطن التي لا تُنكس , وحدهم الشهداء سياج قضيتنا الذي لا يخترق، وحدهم الشهداء ميراثنا الذي لا نفرط فيه ونوزعه قسمه حق لا ظلم فيها ولا تمييز , وحدهم الشهداء الرصيد الوطني الذي لا ينضب والحظ الوافر لأمة التضحية , فلن يضيع الله عزوجل تلك الدماء الطاهرة , وسيكتب لها في الدارين نصرا وعزة .
يسارع كهنة المنظمة لعقد المجلس الوطني , خارج الإجماع الوطني الفلسطيني , في وصفة تدميرية لما تبقى من أمل لتوحيد الصف الفلسطيني , فمن يصر على عقد المجلس الوطني بهذه الطريقة , لا تعنيه بكل تأكيد الوحدة الفلسطينية بل تتقدم عليها المصالحة الحزبية الضيقة في التفرد والإقصاء , وكان الأجدر بعد سنوات التيه الأوسلوي والإنقسام البغيض أن يجتمع الكل الفلسطيني , من أجل تلمس طريق النور نحو الخلاص من عتمة التسوية وظلمة التبعية للمبادرات العبثية , ولن يكون ذلك إلا من خلال صياغة الرؤية الوطنية الجامعة , التي تحفظ فلسطين من الضياع وتحميها بالجدار المقاوم من نهش الضباع الصهيوأمريكية وخيانة النعاج الصامتة في المعلف الترامبي الآمن , فلماذا هذا الإصرار على عقد المجلس الوطني على مقاسات الزمن الأوسلوي المنقرض حكماً ؟ , أمام عظمة الشباب الفلسطيني الثائر وتضحياته في القدس و رام الله و غزة , ولمصلحة من الحرص على الفرقة والشرذمة وزيادة الفجوة الوطنية ؟ , فلم يعد الأمر محصوراً في مقاطعة فصيل بعينه لذلك الإجتماع , بل أصبحت مقاطعة وطنية واسعة تشمل قطاعات عديدة ومعتبرة في الشعب الفلسطيني .
الحرص على عقد إجتماع المجلس الوطني في الثلاثين من أبريل الحالي بهذه التركيبة , رسالة بأن المجلس الجديد سيكون حصرياً لمن يؤمن أو يعترف بأحقية لـ " إسرائيل " بالوجود على أرض فلسطين , إستكمالاً لمسيرة شطب الميثاق الوطني, والحرص على إستمرارية التنسيق الأمني , والتمسك بالمسار التفاوضي العبثي , واللهث خلف المبادرات التي تنتقص من الحق الفلسطيني , ليعطينا هذا المشهد حقيقة واحدة أن أوسلو هي أول الإنقسام الفلسطيني, ومن يتسلح بأوسلو ومنهجها السياسي في قيادة الشعب الفلسطيني الثائر , أنما يغتصب تلك الصفة التمثيلية بلا جدارة وبلا حق في ذلك , ولا نغفل أبداً عن الحقيقة السياسية التي تقول بأن هذا النهج السياسي , قد هُزم في إنتخابات عامة شر هزيمة , فلماذا يلوذ البعض بحصن أوسلو المتهاوي ؟ , ويغفل عن قلاع الصمود والتحدي والإصرار التي يشيدها شعب التضحيات والبطولة في كافة المدن والقرى الفلسطينية , التي تقاوم هذا المحتل بالعناد الفلسطيني , ويكفيها فخراً أنها لم تمنح المحتل إعترافاً ولو على شبر واحد من أرض فلسطين .
المجلس الإقصائي المرتقب في رام الله , لن يمثل الشعب الفلسطيني قولاً واحد , بعد حملة الإعتراض والمقاطعة من الوطنيين والأحرار , وعمليات الإقصاء الممنهجة للمعارضين من داخل أطر وهيئات المنظمة , ليفرز على الساحة الفلسطينية كيان لا ينتمي الا شكلاً لفلسطين والقضية , وحيث أن تركيبته المرتقبة تنتمي إلى العقلية السياسية العباسية فإن أدائه السياسي سيكون تسولاً لمبادرات التسوية, ليتماهى مع معروضات ترامب " صفقة القرن ", بما يشكل كارثة وطنية تعرض الحقوق الفلسطينية للخطر , وكان الأجدر لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية , أن ينعقد هذا المجلس ليكون مجلس إنقاذ وطني يهدف لتصحيحا المسار السياسي , وصولاً لرؤية سياسية وطنية تحظى بالقبول والإجماع الشعبي والفصائلي , تحفظ الحقوق والثوابت وتؤسس لمعركة التحرير بكافة الأدوات والوسائل الثورية النضالية.
كل هذه الإعتراضات والمقاطعات لجلسة المجلس الوطني , لن تردع منظميه ولن تجبرهم على التراجع نحو المسير لهدفهم المنشود , بإنتاج المجلس الإنقلابي الذي سيستمر بخطف القضية الفلسطينية لسنوات وسنوات , وأمام هذا الصلف والتكبر الفرعوني وإدعاء الحرص على المصلحة الوطنية العليا , وتزين هذا العمل الإقصائي بشعارات وطنية براقة , لن يكون هناك سبيل الا التمايز بين المسارين ( التسوية , والمقاومة ) , وعلى أنصار المسار الوطني المقاوم التداعي لتشكيل جبهة وطنية لا تكون بديلاً عن أحد ولا تنازع أي مؤسسة في إدعاء التمثيل , بل تسعى في مهمتها الإستراتيجية والرئيسية حفظ الحقوق الوطنية والدفاع عن شعبنا وأرضنا من العدوان وإحباط المؤامرات السياسية الهادفة لطمس القضية وتصفيتها , وإظهار الحق الفلسطيني بوضوح لا يقبل النقصان أو التشويه , فليس أمامنا الا طريق الثورة عبر إشعال المقاومة والإنتفاضة الشعبية في الأرض الفلسطينية وهذا هو الكفيل بإعادة الإعتبار لقضية فلسطين وتعجيل الخلاص من الإحتلال ودحره عن أرضنا ومقدساتنا .
كاتب و باحث فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية