فيما يوفر الحراك الشعبي السلمي على حدود قطاع غزة ، فرصة أكيدة لتنظيم الاشتباك مع الاحتلال، ومخططاته، ولتأكيد أولوية المقاومة الشعبية السلمية، تتعرض المصالحة الفلسطينية لانتكاسة تطيح بما تبقى من آمال وبما يؤشر بإصبع الاتهام، على أن هذا الانقسام، يسهل على نحو واضح تمرير المزيد من مفاصل وحلقات « صفقة القرن ».
لا الحراك الشعبي المجبول بالدم، ولا خطورة المرحلة، ولا التدخل المصري القوي، ولا قرارات القمة وقبلها قرارات الجامعة العربية، دفعت الأطراف لتغيير حساباتها إزاء ضرورة استعادة وحدة القرار والمؤسسة والأهداف. إذاً الفلسطينيون يعانون من أزمة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وأزمة القرار بشأن رفع المصلحة الوطنية فوق المصالح والحسابات الفئوية، إن كانت سياسية أو فصائلية. عميقة ولا تزال تحفر في العمق أزمة الثقة والمخاوف المتبادلة، فلا حماس تثق بشأن حماية وجودها ودورها، في حال سلمت السلطة، والسلاح، ولا فتح تثق بأنها يمكن أن تدير مسؤولياتها عبر السلطة في قطاع غزة، وأن تحتفظ بما تعتبره حقها في إدارة السياسة الفلسطينية، إذا استمرت حماس في التمسك برؤيتها وسلاحها. استعصاء يدفع كل طرف لممارسة ما يراه مناسباً لحساباته وأجندته وأهدافه. حماس ترى في الحراك الشعبي السلمي، تحت عنوان مسيرة العودة الكبرى، مخرجاً، وتعزيزاً لرؤيتها ودورها حتى وإن كان هذا الحراك وطنياً جامعاً، وربما، أيضاً، تبدي حماس استعداداً للتجاوب مع المسعى المصري لإتمام صفقة تبادل أسرى، كي تحقق إنجازاً وتضيف إلى رصيدها في حالة الاستقطاب الداخلي. في الجهة المقابلة تستمر السلطة في إجراءاتها الإدارية والمالية، للضغط على حركة حماس، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسكان القطاع.
وبالإضافة تصر حركة فتح على عقد المجلس الوطني الفلسطيني إن كان الأمر من دون حركتي حماس والجهاد، فلا جديد فيه، ولكن جديده هو الاصرار على عقد المجلس بعضويته القديمة التي تآكلت حتى لو لم تحضر الجبهة الشعبية أو غيرها. انعقاد المجلس الوطني بعضويته القديمة متجاوزاً تفاهمات بيروت واتفاقي 2005، و2011، يبدو أنه محاولة أخرى للضغط على حركة حماس، بما أن المجلس سيجدد الشرعية للمجلس المركزي واللجنة التنفيذية بمعزل عن حماس ومن يناصرها، غير أن هذه الخطوة لا تقرأ على الأرجح على هذا النحو فقط. الانقسام قائم ولا سبيل لردم الهوة، ولذلك فإن كل طرف يلعب بالأوراق التي بيديه، والنتيجة مزيد من الانقسام ومزيد من العقبات أمام إمكانية استعادة الوحدة.
هل حقاً أن انعقاد المجلس بعضويته المفتوحة، يعيد تجديد الشرعية، أم أن شرعية المنظمة مكفولة بقرار عربي وإقليمي ودولي حتى لو بقيت الأمور على حالها؟.
كوجهة نظر شخصية لا أرى مشكلة في مكان انعقاد المجلس بحيث تستدعي المقاطعة من قبل أي تنظيم أو عضو، فالأولوية أن نخوض الصراع المكشوف على الأرض الفلسطينية، وقد سبق للمجلس المركزي أن اتخذ قرارات جريئة، رحب بها الجميع، رغم وجود الاحتلال وقواته ومستوطنيه.
المشكلة هنا ليست مشكلة قرارات، وإنما مشكلة تنفيذ القرارات. الفلسطينيون يدركون ذلك والإسرائيليون لا يخشون ذلك طالما أنهم يعرفون أنها قرارات على الورق، ويعرف كل من سبق له أن حضر دورات المجالس الوطنية، إن كان عضواً أو مراقباً، أن المجلس عبارة عن همروجة في القاعة الكبرى، وأن مخرجاته تتم في غرف صغيرة، يشارك فيها ممثلون من الفصائل بموازاة الهمروجة التي غالباً ما تقر المخرجات من خلال التصفيق.
غير أن الأهم في انعقاد دورات المجلس، هو توفر الحد الأدنى من التوافق الوطني على الحضور والمشاركة، حتى لو كانت النتائج تعكس رؤية الحركة الأكبر التي تقود المنظمة والشعب الفلسطيني وهي حركة فتح.
وبطرحه فإن الشرعية في المنظمة ولها لا تحتاج إلى تجديد، لكونها تحوز على الشرعية التاريخية، والواقعية السياسية، وعلى الشرعية العربية والدولية، ما يعني أن المطلوب من المجلس الذي سينعقد في الثلاثين من هذا الشهر، هو استبدال وتجديد عضوية المجلس المركزي واللجنة التنفيذية حيث أن التجديد والتفعيل، حتى من دون مشاركة حماس والجهاد يستدعي تحديد عضوية المجلس الممتدة منذ الدورة الثامنة عشرة عام 1988، وجرى تضخيمها، ومضاعفتها عام 1996، عبر عملية تعويم واسعة وعشوائية. وكذلك فإن عملية التجديد والتفعيل الحقيقية، تستدعي استعادة المنظمة للدور والمسؤوليات التي كانت تقوم بها، قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. إذا كان الأمر كذلك، مع استبعاد أن يقرر المجلس استراتيجية وطنية جديدة ومغايرة، ستكون منقوصة في غياب أطراف فلسطينية فاعلة وأساسية، فإن المسألة تدخل في سياق إعادة تمكين حركة فتح، وتعزيز إمساكها بالقرار الفلسطيني، وترتيب أوضاعها وفق رؤية فتح للمرحلة القادمة بعيداً عن المناكفات والإزعاجات التي قد تشكلها أطراف أخرى لو كانت منضوية في اطار المنظمة وفق اتفاقيات سابقة. المؤسف أكثر من ذلك أنه بخلاف المثل القائل بأن «الخلاف لا يفسد للود قضية» فإن الخلاف حول مسألة انعقاد المجلس والموقف من ذلك يفسد حتى لغة وآداب الحوار، الذي يهبط إلى مستويات، لا تتناسب وقيم النضال الوطني.
الخلاف عملياً يؤدي إلى تبادل الاتهامات بطعن الوطنية الفلسطينية والتشكيك في تواريخ القوى، ويصل إلى مستوى التخوين، والاستهتار بالآخرين، والمؤسف، أيضاً، أن تظهر في الترتيبات التي تسبق انعقاد المجلس مؤشرات سياسية إقصائية، ومخالفات لقوانين المنظمة، ولوائحها الداخلية.
في كل الأحوال المجلس سينعقد في وقته ومكانه المحددين، بما يخلق وقائع جديدة، ولكنها وقائع من شأنها أن تعمّق أزمة الثقة، وأزمة الاستقطاب، وأزمة الانقسام. مع ذلك ورغم كل ذلك محظور على أي طرف أن يبادر إلى عمل يمس بوحدانية تمثيل المنظمة للفلسطينيين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية