مع بداية العام الجاري، قدم عميت افيرام، عضو مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، عرضاً وصف "بالسرية" للجنة الخارجية والأمن في الكنيست بعنوان "تقييم وضع استراتيجي للعام 2018" وفي سياق شرحه للتهديدات التي ستواجهها إسرائيل، أشار في عرضه إلى أن هناك مخاوف حقيقية من أنه خلال العام الجاري 2018 سوف تنتقل المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، من مرحلة تقصّي الحقائق في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة عام 2014، ومن شأن ذلك أن تتصاعد الجهود لنزع الشرعية والدعوة لمقاطعة إسرائيل.


افيرام كان يلمح في عرضه إلى أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا كانت قد نشرت في الرابع من كانون الأول الماضي، تقريراً بشأن تقصّي الحقائق التمهيدي الذي تقوم به، معلنة أنها حققت "تقدماً ملموساً" في الشكوى ضد الحرب على غزة كما في المسألة الاستيطانية.


رد فعل هذا العرض من جانب القيادة السياسية في إسرائيل، أنه يتوجب اتخاذ كافة الخطوات التي من شأنها احباط إمكانية بحث هذه الشكاوى لدى الجنائية الدولية، بكافة السبل خاصة القضائية والسياسية!


كانت هذه المقدمة ضرورية، كما نرى، لقراءة متفحّصة ودقيقة للتقرير الرابع الصادر قبل أيام قليلة عن مراقب الدولة في إسرائيل، حول الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة "الجرف الصامد" فخلال ثلاث سنوات ونصف أصدر مراقب الدولة ثلاثة تقارير قبل التقرير المشار اليه، كلها كانت متشابهة تقريباً، وحازت على ردود فعل إسرائيلية داخلية هامة وأثارت نقاشا حادا بين المستوى السياسي والمستوى الأمني، بموازاة سلسلة من التبريرات والانتقادات، بينما التقرير الرابع والأخير، لم يحظ بهذا الاهتمام من قبل المستويين، السياسي والأمني، وبحدود معينة تم تناول مضمونه من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي لم تر فيه "جديداً" بينما أشارت بعض الأقلام الإسرائيلية إلى أن الانشغال بفضائح التحقيقات مع نتنياهو واحتمالات انتخابات إسرائيلية مبكرة  شكلت الاهتمامات ذات الأولوية بالنسبة للرأي العام الإسرائيلي.


لكننا نرى أن عدم الاهتمام بالقدر المناسب بهذا التقرير، يعود إلى أنه يكرر تقريباً انتقاداته السابقة لأداء الجيش الإسرائيلي من الناحية الأمنية، إلاّ أن الجديد في هذا التقرير، ليس موجهاً بالتحديد إلى الداخل الإسرائيلي، بقدر ما هو موجه إلى الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية ذات الصلة بالتحقيقات الجنائية، وهو بذلك يشكل أساساً للإجابة عن تخوفات العميد احتياط عميت افيرام من احتمالات قيام الجنائية الدولية بالمضي قدماً في تفعيل تقرير تقصي الحقائق حول العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014 والانتقال من مرحلة الاستقصاء إلى مرحلة التحقيق مع مجرمي الحرب الإسرائيليين، وهذا التقرير يشكل ترجمة جدية لمساعي المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل لاحباط مثل هذا التوجه، وهذا هو جوهر استهداف هذا التقرير الذي سيكون الأخير في سلسلة ما يصدره مراقب الدولة بشأن الحرب الأخيرة على قطاع غزة.


قيمة هذا التقرير، من وجهة نظر إسرائيلية، أن إسرائيل قادرة على تشكيل لجان تحقيق وتصل إلى استنتاجات يمكن التعامل معها لتصحيح أية أخطاء تنجم عن طبيعة الحرب في المناطق الآهلة بالسكان، وبالتالي لا يوجد أي سبب لجهات قانونية دولية وعلى الأخص الجنائية الدولية للقيام بإجراءات واستدعاءات للتحقيق مع شخصيات وقيادات سياسية وأمنية إسرائيلية، هذا هو الهدف الأساسي من التقرير الذي يمكن تأكيده من خلال ردود وتبريرات المستويين، السياسي والأمني على ما جاء في تقرير مراقب الدولة الأخير، وهذا ما يفسر إصداره باللغتين العبرية والإنجليزية، للمرة الأولى!


مراقب الدولة، كما جاء في تقريره، طلب من قيادة الجيش الإسرائيلي تحسين التعامل مع قواعد القانون الدولي في تدريب ضباطه وجنوده، وتحسين المنظومة التي بواسطتها يفحص الجيش الإسرائيلي تحقيقات استثنائية أثناء الحرب، مشيراً إلى أن المسّ بالمدنيين غير المشاركين بالحرب، يجب أن يكون متناسباً مقارنة مع الفائدة العسكرية المتوقعة.. إلخ.
وملاحظة لا بد منها، أنصح كافة الجهات المعنية بالاتصال بالجنائية الدولية، مراجعة التقارير الأربعة الأخيرة حول الحرب على قطاع غزة عام 2014، لأنها تحتوي إدانات موثقة باعتراف إسرائيلي، على الجرائم التي ارتكبت في تلك الحرب!


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد