فوجئ الرئيس الأميركي ترامب من ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية وحتى الدولية، بسبب قراره الاعتراف بمدينة القدس العربية الفلسطينية الإسلامية المسيحية عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلية، وتكهن مستشاروه من اليمين الأميركي الرجعي المتطرف ومن حلفائهم الصهاينة الأكثر تطرفاً، أن ردود الفعل آنية مؤقتة ستتلاشى مع الوقت وتزول انصياعاً لحاجات الفلسطينيين للمساعدات المالية، واستسلام العرب لمنطقه الإسرائيلي عبر تغيير العدو من الوطني القومي الديني المتمثل بالمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، إلى جعل إيران عدو العرب، مستغلاً التدخلات الإيرانية، والخلافات العربية الإيرانية، ولكن إدارة ترامب ومستشاريه ذهلوا من تماسك الموقف الفلسطيني، ومن التجاوب العربي والإسلامي بل والدولي مع صلابة الموقف الفلسطيني وعدالته، وتمثل ذلك بانعقاد مجلس وزراء خارجية البلدان العربية في القاهرة، والقمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول، وانعقاد المؤتمر الطارئ للبرلمانيين العرب، وتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكثر من ذلك تصويت حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين مع فلسطين ضد الولايات المتحدة، ما يعكس أهمية ذلك والحفاظ عليه وتطويره، فقد استطاع التحالف الأميركي الإسرائيلي تحقيق اختراقات محدودة في أوروبا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وهذا يتطلب رغم محدوديتها، العمل على تطويقها وعزلها وعدم تمددها، وتوفير أقصى درجات اليقظة، الفلسطينية والعربية والإسلامية ومن الأطراف الدولية الصديقة، في أوروبا وأسيا وإفريقيا حتى جنوب القارة الأميركية، عبر تحريك وتنشيط الجاليات العربية والإسلامية مع مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنواب وغيرهم من قوى مؤثرة تدفع ليس فقط لتصليب مواقف الدول المساندة لفلسطين، بل ودفع الأطراف المحدودة للتراجع عن مواقفها المؤيدة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي. 


يملك الفلسطينيون جبهة إيجابية ممتدة من العواصم العربية كافة حتى تلك التي أذعنت وانصاعت للتوجهات الأميركية في تغيير الأولويات نحو العدو الوطني والقومي والديني، وجعل إيران وسياساتها، هي الأكثر خصومة، ومع ذلك استفز قرار ترامب هذه الدول ودفعها نحو التصويت ضد القرار الأميركي ولصالح فلسطين، والالتزام بالموقف العربي الموحد نحو فلسطين، امتداداً لأغلبية العواصم الإسلامية.

 
مثلما يتطلب عدم الإذعان للمنطق القائل إن بعضاً من البلدان العربية وافقت أو أيدت أو قبلت أن تكون القدس غير فلسطينية وغير عربية وغير إسلامية، لا أحد للآن يملك شجاعة الإعلان عن هذا الموقف أو التعبير عنه أو صدقيته، حتى ولو تورط لسوء تقدير في مكان ما، وفي وقت ما، نظراً لحدة المواجهة وصخبها مع إيران المفترض أيضاً أن تتحمل المسؤولية.


أوروبا على الأغلب الصديقة للولايات المتحدة يتطور موقفها بشكل إيجابي لصالح فلسطين وضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي يفتقد انحياز أوروبا لها بشكل تدريجي، فأوروبا وخاصة بريطانيا بقراراتها وإجراءاتها بدءاً من وعد بلفور وتنفيذه على الأرض، وفرنسا التي قدمت الأسلحة المتطورة والفرن الذري، وألمانيا التي مولت وقدمت التعويضات المالية، لولا ذلك، لما كانت المستعمرة الإسرائيلية بهذه القوة، قبل أن تتبناها الولايات المتحدة الأميركية بالكامل.


ما هو الموقف الأوروبي اليوم؟ في 13/10/2011 صوتت أوروبا لصالح عضوية فلسطين لدى «اليونسكو» 11 صوتاً مع، و11 صوتاً امتنعت، وفي قبول فلسطين عضواً مراقباً لدى الجمعية العامة يوم 29/11/2012، صوتت 14 دولة أوروبية مع، وامتناع 9 دول، ودولة واحدة فقط كانت ضد هي التشيك، بينما تغير الموقف الأوروبي، حين صوتت أربع دول أوروبية مرتين لدى مجلس الأمن مع فلسطين خلال شهر كانون الأول 2017، وضد الولايات المتحدة، حول قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، والبلدان الأربعة هي: بريطانيا وفرنسا والسويد وإيطاليا، ما يدلل على شكل ومضمون التحول الأوروبي التدريجي لصالح فلسطين. 


أما كندا الموصوفة بانحيازها دائماً مع الولايات المتحدة لصالح المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فهي مقبلة على تحولات إيجابية لصالح فلسطين وإن كانت خطواتها مازالت متواضعة: 


فقد سبق لكندا أن صوتت ضد قبول فلسطين عضواً لدى «اليونسكو» ولدى الجمعية العامة، ولكنها يوم 21/12/2017، امتنعت عن التصويت، حيث كان أمامها خياران، إما معارضة سياسة ترامب، أو مواصلة التصويت التقليدي مع قرارات الولايات المتحدة بشأن فلسطين، وهكذا انتقلت كندا إلى مجموعة 35 دولة التي امتنعت عن التصويت، ولم تنضم إلى قائمة 9 دول التي وقفت مع واشنطن. 


كما استأنفت كندا دفع مستحقاتها إلى « الأونروا » على خلاف الموقف الأميركي، وتم إنشاء لجنة صداقة برلمانية سميت كندا – فلسطين رغم محاولات فاشلة لاستبدال كلمة فلسطين بكلمة الفلسطينيين، ومن المتوقع زيارة وفد برلماني كندي إلى فلسطين أواخر شهر آذار الجاري يمثلون خمسة أحزاب هم: الحزب الليبرالي الحاكم، حزب المحافظين، حزب الديمقراطيين الجدد، حزب تكتل كيبك (المنطقة الفرنسية) وحزب الخضر، ويضم 20 نائباً، 5 منهم سيصطحبون زوجاتهم، لمدة أسبوع، يزورون خلالها بيت لحم والخليل والقدس ومخيم عايدة إضافة إلى رام الله ، مثلما سيلتقون مع القائمة المشتركة لنواب العرب الفلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي برئاسة النائب أيمن عودة، وكذلك منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية المعادية للاحتلال، وقدموا طلباً لزيارة الأسيرة الطفلة عهد التميمي في سجنها، ما يدلل على شكل ومضمون توجهاتهم، وإن كان السفير الفلسطيني الجديد لدى كندا نبيل معروف، المعروف بحيويته ونشاطه بل ونجاحه لدى البلدان التي سبق وأن عمل فيها، ولكن لا شك أن تحولات تجري في العالم لصالح فلسطين أثرت على الموقف الكندي ومن قبله على الموقف الأوروبي. 


فلسطين تتقدم إلى الأمام، وإسرائيل تتراجع إلى الخلف تلك هي الحصيلة. 


h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد