رغم أن الأيام الأخيرة شهدت سقوط ثلاث طائرات أجنبية فوق الأرض السورية، كانت الأولى روسية سقطت على يد فصائل سورية معارضة، والثانية تركية خلال عملية عفرين، والثالثة إسرائيلية على يد المضادات السورية، إلا أن الأخيرة حظيت باهتمام إعلامي خاص، وتم تداولها كحادث نوعي، في سياق الحرب متعددة الاتجاهات والأهداف والأطراف التي ما زالت جارية في سورية.
ومن يتابع جيداً مسار تطور الحرب داخل سورية، يلاحظ أنها مع طي صفحة "داعش" منذ صيف العام الماضي، بدأت بعض الأطراف بالتوغل أكثر من ذي قبل إلى داخل الأرض السورية، بهدف وضع اليد على ما تطمح بالسيطرة عليه أو ضمه لها من أرض سورية، يبدو أنها باتت مستباحة لأكثر من طرف، فالقوات الأميركية التي لم تكن تتواجد بشكل عسكري صريح منذ العام 2011، اندفعت بحجة التحالف مع الأكراد "قوات سورية الديمقراطية" بهدف معلن وهو السيطرة على شمال شرقي سورية، أي محافظات دير الزور والرقة، بحجة أنها مناطق كردية، والهدف هو وصل السيطرة الأميركية المتحققة في العراق مع المنطقة المتاخمة للعراق من سورية، كذلك اندفعت القوات التركية لتتجاوز حدودها الشرقية باتجاه منبج وحوض الفرات، بحجة دفع الأكراد للابتعاد عن حدودها ومنع إقامة دولة كردية على حدودها من شأنها تحفيز أكرادها للعودة للكفاح من أجل الحكم الذاتي على الطريقة العراقية ومن ثم السورية.
أما روسيا فهي موجودة عسكرياً وتسيطر على مناطق واسعة من الساحل السوري، منذ العام 2015، لذا فإن إسرائيل كما هو حال أميركا وتركيا بدأت مع تراجع حدة العمليات العسكرية في سورية إلى زيادة منسوب تدخلها العسكري، الذي اقتصر حتى الآن على سلاح الجو، الذي تتفوق فيه إسرائيل أصلاً، والذي عادة ما تبدأ به أي حرب تقوم بشنها في المنطقة، بهدف يبدو أنه مزدوج، أحد ضلعيه هو السيطرة على منطقة الجنوب السوري، المتاخمة للجولان، والتي تصل إلى حدود دمشق العاصمة، والثاني هو مركب، أي يهدف إلى مواصلة استنزاف سورية وتأجيل عملية إعمارها، وقطع الطريق على ترسيخ النظام وعودة الروح للجيش السوري، وإلى جر إيران لمواجهة عسكرية، تشارك فيها لاحقاً أميركا وربما دول أخرى .
وكما فعلت مع نظام صدام حسين في العراق، أي بعد العام 1988، العام الذي توقفت فيه الحرب العراقية /الإيرانية بعد ثماني سنوات تم خلالها إنهاك الدولتين اللتين كانتا عدواً لكل من أميركا وإسرائيل، حيث بدأت إسرائيل بالتحريض على العراق، باعتبار أن الحرب قد قوّت من شوكة جيشه ومن قدرته العسكرية، تحاول أن تفعل الشيء ذاته تجاه الجيش السوري، لتضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
وبعد أكثر من انتهاك جوي للأجواء السورية قام بها طيران العدو الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، كذلك أكثر من انتهاك بري قام به جيشها متجاوزاً الحدود، أو مطلقاً نيران المدافع بحجة استهداف عناصر معادية، كان إسقاط طائرة الـ "أف 16"، يوم السبت الماضي، حدثاً نوعياً، ليس ارتباطاً بكونه الحادث الأول منذ 35 عاماً، أي منذ العام 1982، الذي يتم فيه إسقاط طائرة إسرائيلية، بما ينطوي عليه الأمر من أبعاد عسكرية، تشير إلى أن طيران إسرائيل الحربي ليس بمنأى عن الهزيمة، وأن الأجواء السورية لن تعود مستباحة كما كانت الحال من قبل، بل لأن الطرفين أظهرا أن هذه الحادثة، تعني مفترق طرق، يحدد كيفية التعامل لاحقاً.
فإسرائيل كانت تعتبر أن هناك "قبولاً أو غض نظر" عما تقوم به من "تنظيف" للمنطقة التي تقع جنوب العاصمة أو المنطقة التي تشمل محافظات القنيطرة ودرعا وريف دمشق، بما في ذلك ضرب طرق إمداد "حزب الله" بالعتاد والسلاح، لذلك فإن تصدي المضادات السورية، وهذه المرة ليس بدافع إظهار أن هناك رداً، بل تظهر أن هناك قراراً سيادياً صريحاً، بالاشتباك مع سلاح الجو الإسرائيلي والتصدي له، وربما يكون هذا مؤشراً على أنه في المرات القادمة سيخرج الطيران السوري للتصدي للطيران الإسرائيلي بما يحتمل الدخول في حرب جوية بين البلدين.
في الوقت الذي لا يمكن فيه التقليل من الأهداف العدوانية الإسرائيلية المتعددة تجاه سورية، والتي منها أن يبقى استنزاف البلاد، فهي بالكاد تخلصت من حرب الإرهاب، متمثلاً في "داعش" وبعض القوى الأخرى، وهي بالكاد تلتقط الأنفاس لتعيد السيطرة على البلاد وتحافظ على وحدتها وحدودها لتواجه أكثر من قوة دولية وإقليمية، تقوم الآن بتقاسم السيطرة الفعلية على البلاد، حتى تأتي إسرائيل فتبقي على حالة الاستنزاف العسكري والاقتصادي والسيادي لسورية، فإنه أيضاً لا بد من لحظ أن إسرائيل ومن ورائها أميركا تفضل مواجهة إيران على الأرض السورية، حتى لا يقال إنها شنت حرباً عدوانية على إيران نفسها.
تفضل كل من إسرائيل وأميركا مواجهة إيران في سورية، لأن من شأن ذلك أن يوفر لهما القدرة على إقامة تحالف عسكري مع بعض الدول العربية، ويمنحهما بالتالي قدراً من مشروعية الحرب، أما في حال أن تضطران إلى مواجهة إيران على أرضها، فإن العالم كله سيتضامن مع إيران أولاً، وثانياً فإن كل الشعب الإيراني، وربما كل شيعة العالم، سيهب للدفاع عن بلاده.
لكن إسرائيل وأميركا تغامران، بحربهما في سورية التي لن تكون مثل حربهما السابقة في العراق ضد صدام حسين، ولا كما كانت حرب الناتو لإسقاط معمر القذافي، فالحرب في سورية إن كانت ضد الأسد أو ضد إيران، مختلفة لأن النظام السوري معه روسيا، ومعه إيران، والقوة العسكرية بهذا المعنى متوازنة، أما الأوراق السياسية فعديدة أيضاً، بل يمكن لسورية أن ت فتح جبهة عسكرية مشروعة ضد إسرائيل في الجولان المحتل، بإعلان حقها في تحريره، كذلك في مزارع شبعا اللبنانية بإعلان "حزب الله" حقه المشروع في تحريرها أيضاً. لذا فإنه على الأغلب يظهر الردع السوري إمكانية إغلاق الأبواب في وجه إسرائيل لتضع ذيلها بين ساقيها وتعود إلى البيت ولو إلى حين.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية