الفتاة عهد التميمي أنهت العام 2017 بتفاعل إعلامي واسع.. ليس في فلسطين فحسب وإنما في معظم دول العالم.. ليس بين مؤيديها فقط ولكن أيضاً، بين كارهيها من الإسرائيليين وحلفائهم الذين يطالبون بالانتقام من عهد وأخواتها.


أغرب ما ورد إعلامياً من كارهيها تغريدة للسفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة مايكل أورون الذي أنكر أن عهد التميمي فلسطينية، مدعياً أن الفلسطينيين أصبحوا يُجنِّدون أجانب للنيل من إسرائيل على قاعدة أن لون بشرتها وشعرها وعينيها لا يمّت بيولوجياً للفلسطينيين بصلة؟! ورغم أن تغريدته أثارت سخرية كبيرة وتعليقات لاذعة، فإنها أكدت المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى بناء صورة نمطية للفلسطينيين في الخارج بأنهم صحراويون بشعون غير حضاريين... وبالتالي فإن صورة عهد غير مرغوب بها من وجهة نظر إسرائيل الإعلامية. 


في المقابل، شهد الجانب الفلسطيني والعربي مبالغات كثيرة في هذا الموضوع ، ومن بينها تصوير الأسيرة عهد التميمي بالبطولة المطلقة.. أو من قال إن عهد كانت تبحث عن بطولة مطلقة وعناوين أكبر بكثير مما قامت به.


عهد التميمي.. فتاة فلسطينية لها مشاعر وأحاسيس.. عاشت حياة الظلم والقهر التي يمارسها الاحتلال يومياً، فلا عجب أن تتشبع بالرغبة في التحرر من سياسة الصمت أو الخوف من سطوة الاحتلال وجنوده.. وهي من رأت جنود الاحتلال يعتقلون والدها وهي طفلة.. يقتحمون بيتها ويخربون محتوياته.. وهي من رأت جنود الاحتلال يصوبون نيران أسلحتهم باتجاه عائلتها في بلدة النبي صالح ويسرقون أرضها.


عهد كسرت حاجز الخوف من المحتل وآمنت بحقها في المقاومة، فشاركت وهي طفلة في تخليص شقيقها من قبضة جنود الاحتلال وربما هذه المشاهد المصورة زرعت داخلها شعوراً بأهمية مقارعة جنود الاحتلال والاعتداءات الاستيطانية.


ولكن، هل حجم الفعل بحجم سياسة الانتقام الإسرائيلية؟! عهد ووالدتها وابن عمها تعاركوا مع جنود الاحتلال المعتدين بالأيدي. لم تحمل عهد سلاحاً، ولم تطلق النار، ولكنها تمكنت من الوقوف في مواجهة جنود الاحتلال المدجّجين بالأسلحة.. هذه الصورة بالنسبة إلى إسرائيل غاية في الخطورة، وربما أخطر من إطلاق الرصاص.


وبناء على هذا، كان رد وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي حرّض بشكل واضح على اعتقال عهد وأفراد عائلتها.. ليبرمان أغاظته صورة الطفلة وهي تواجه بقبضة يدها جنود الاحتلال.. معتبراً أن هذه إساءة للجنود وتهزّ من معنوياتهم.. وبالتالي لا يمكن القبول بمبدأ أن تكون فتيات ونساء عائلة التميمي قدوة للفلسطينيين في المقاومة الشعبية. 


أوامر ليبرمان إلى قيادات الجيش بالانتقام من عهد كانت علنية.. يجب كسر إرادتها.. يجب أن تكون عبرة لغيرها ممن تشبّعوا برفض الإذلال والمهانة وعدم القبول بالأمر الواقع أو حتى ردّة الفعل على إجرام الاحتلال.


كخفافيش الليل المنفلته توجه جنود الاحتلال المدجّجون بأسلحتهم لاعتقال عهد.. بما يكشف عن مدى حقد الاحتلال وعنجهيته .. هم كانوا يعتقدون أنهم سيتمكنون من كسر إرادة عهد التي أصبحت تمثل ضمير الفلسطينيين والعرب الأحرار وكل العالم القائم على المفاهيم الإنسانية.


ولكن لم يكن ليبرمان وقادة الاحتلال وحتى الصحافة الإسرائيلية التي تسابقت للنيل من عهد وقهرها وكسر إرادتها يعلمون أن ابنة النبي صالح ستصبح «أيقونة» معلّقة على ضمير العالم الحي.


نعم، عهد مجرد طفلة تبحث عن مستقبلها، وفتاة فلسطينية عاشت القهر والمعاناة... رفضت الذل والاستكانة.. وهبّت لتقاومه بطريقتها الخاصة.. ولكنها لم تدّع البطولة المطلقة ولم تقل إنها ستحرِّر فلسطين، ولكنها ربما قدّمت درساً كبيراً لأولئك الذين ما زالوا متمسكين سراً أو علناً بإمكانية التفاهم أو السلام مع هذا الاحتلال الهمجي العنصري القائم على مبدأ سياسة الانتقام الاستباقية!.

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد