أُطفئت شجرة الميلاد في بيت لحم ، فلا أضواء ولا أنوار ولا وصايا أنبياء، تمزقها بساطير الجنود الذين يغتصبون مدينة المسيح، لا أجراس كنائس تُقرع ولا ترانيم الفرح تصدح، ولا بابا نويل يوزع الهدايا على الأطفال النائمين، فقد استبدل بجندي يوزع الرصاص وقنابل الغاز ويعتقل الأطفال، مثل عهد التميمي.


التعازي لكل المسيحيين في العالم الذين تُحاصَر كنائسهم التي ترنو إليها أبصارهم وقلوبهم في هذا اليوم المجيد، والتي اختطف منها الفرح؛ لأن هناك من يصر أن يحول مدينة الميلاد إلى ثكنة عسكرية، وأن يستبدل أغاني الرعاة بأناشيد الشهداء وألحان الترانيم بصوت الرصاص. مساكين هؤلاء الملاحقون بدينهم حتى قيامة الدولة الفلسطينية.


العالم قال كلمته في موضوع القدس عندما تم الاحتكام للضمير الجمعي على الرغم من تساقط  دول.


قال أحدهم ذات يوم، وفي محاولة ساذجة لتبرير احتلال الأماكن المقدسة في القدس: إن الفلسطينيين غير مؤتمنين على تلك الأماكن، متناسياً أن النظام السياسي الفلسطيني الذي يقوده مسلمون هو الوحيد في العالم الذي يحضر راع، من رئيسه ورئيس وزرائه وكل القيادة، احتفالات دين آخر، بل وتعطل كل مؤسسات الدولة باعتباره عيداً دينياً رسمياً، لكن إسرائيل في كل مرة هي التي تجعل هذه الاحتفالات يتيمة وكئيبة، فالاحتلال والاحتفال لا يلتقيان.


إن الانتفاضة هي الخيار الوحيد الباقي بعد أن تقطعت السبل بهذا الشعب أمام الحياد الجارح لكل المتفرجين على مقاعد السياسة والمشتغلين بها في العالم، فلا أحد تمكن من أن يرغم دولة الاحتلال على السلام، والتي تنزاح نحو يمينية متطرفة، تعتبر أن الحل والسلام هو إنهاء لحلمها الاستيطاني ومشروع السيطرة على كل الأماكن بلا حدود.


في إسرائيل باتت السياسة محكومة لائتلاف حكومي ينعدم لديه أي أفق للتسوية، بل بات يسخر من كل مفاهيمها التي قيلت على مدار السنوات الماضية، ويحتقر رموزها. لقد دفع بها نحو الفشل منذ سنوات، وأوصلها إلى طريق مسدودة، محملاً فكرة السلام مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، رغم أن الجميع يعرف أن مهمة اليمين بإسقاط أوسلو كانت منذ اليوم الأول لتوقيعه حين بكت "غيئولا كوهين" على بوابة الكنيست ، قائلة: "هذا يوم أسود في تاريخ إسرائيل". فهذا اليمين يعتبر أنه يقوم بتصحيح خطأ اليسار التاريخي.


لا حل دولتين ولا دولة واحدة لأنها تفقد إسرائيل ميزة الدولة اليهودية الخالية من "الغوييم" ولا تحافظ على النقاء العرقي، لكن إسرائيل الحالية تحلم باستمرار السيطرة وتقطيع المناطق الفلسطينية ومنع التواصل بينها، وتحويل الفلسطينيين إلى أقليات يعيشون بين المستوطنات على شكل حكم ذاتي، بعيداً عن أن يمارس الفلسطينيون حقهم في تقرير مصيرهم كباقي الشعوب.


تلقت إسرائيل دفعة كبيرة مع فوز الإدارة الأميركية الحالية، فعلى الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي قبل عام بإدانة الاستيطان، إلا أنها تسخر من الجميع، ولم تتوقف عن التمدد الاستيطاني حتى في القدس، وهنا بات الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل كأنه يعود إلى بداياته الأولى.. صراع على الأرض كأن اليمين أعاد لهذا الصراع هويته التي فقدها منذ أكثر من عقدين.


دماء وشهداء على أبواب الكنائس، ولكن لا انحناء لشعب يحرث الأرض المقدسة في الشوارع والمفترقات ومناطق الحدود، يقاتل بأظافره ويعود محملاً بالشهداء، لا انحناء أمام هذا الانكشاف الواضح لعملية سلام طويلة كانت تغطيها ورقة توت أسقطها رئيس كان الأكثر وضوحاً والأكثر صدقاً في التعبير عن السلوك الأميركي، الذي ظل يخفي ملامحه لربع قرن، ولم نقرأ للدكتور" آفي شلايم" قبل أكثر من عقد ونصف العقد عندما كتب عن كامب ديفيد أن كلينتون كان مجرد مترجم للاقتراحات الإسرائيلية.


ولم نفهم أيضاً وضوح المكالمة الصارخة بين بوش وشارون، عندما طلب شارون استئذان قتل الحائز على جائزة نوبل للسلام بالشراكة مع إسرائيل، قال بوش: سيأخذه الله، فردّ شارون: "لكن الله يحتاج لمساعدين على الأرض". وهكذا أفقنا على موت كان يؤبن مساراً كاملاً وليس زعيماً قلب كل حجر باحثاً عن مكان بين الأمم لشعبه على خُمس فلسطين التاريخية.


لم تكن فلسطين وعاصمتها حزينة بهذا القدر في الميلاد، ففي كل عام تُتلى ترانيم التوق للسلام في مدينة المهد لعل القدر يهديها سكينة وسلاماً وخلاصاً من هذا الظلام الذي يحيط بها من جهاتها الأربع. اليوم لن تحتفل الكنيسة المقهورة بالظلم والتي تتشح بالسواد على وقع الشهداء الذين يلحقون بالفدائي الأول.


ما زال الشعب معلناً تمرده رغم كل الخسائر والتضحيات؛ لأنها القدس، ولأن العدالة ستقول كلمتها في النهاية، فهذه أرض الرسالات كتب لها أن تحفظ عهودهم وتسلك طريقهم في الحرية والنور، ولا يمكن أن تنطفئ أشجارها طويلاً، فتلك حقبة أصيب فيها التاريخ بلوثة، لكن التاريخ يعيد تصويب ذاته حين يخطئ وقد ارتكب جريمة بحقنا... ستقرع الكنائس من جديد وسيغني الرعاة أغاني العيد..!!

Atallah.akram@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد