بعد شهر تقريباً من إقدام الدولة العبرية على تفجير نفق الجهاد الإسلامي بقطاع غزة ، بعد حوالى شهر من انتظار رد فعل حركة الجهاد على هذا التفجير، بعد قرابة ثلاثين يوماً من حالة الترقب الإسرائيلية لما يمكن أن يؤدي إلى هذا التفجير، جاء الرد، الذي قيل: إن حركة الجهاد كانت من خلفه، بسقوط قرابة 15 قذيفة هاون على قوة تابعة للجيش الإسرائيلي كانت تقوم بأعمال هندسية على الجدار الحدودي، دون وقوع إصابات، حركة الجهاد لم تعلن إقدامها على هذا القصف، إلاّ أن قذائف الهاون، بديلاً عن الصواريخ المحلية، أدت إلى الاستنتاج بأن حركة الجهاد تقف وراء هذا القصف، وليست فصائل متمردة لا تمتلك في الغالب قذائف ومنصّات إطلاق الهاون، ترافق هذا التصعيد، مع ما أقدمت عليه مجموعات استيطانية باغتيال أحد المزارعين الفلسطينيين الذي كان يقوم بفلاحة أرضه في قريته، بالقرب من نابلس ، ثم مقتل جندي إسرائيلي في النقب في حادث طعن، كل ذلك أدى إلى مشهد تصعيدي على خلفية من طلعات مستمرة لطائرات إسرائيلية من دون طيار على ارتفاعات منخفضة، شكلت "موسيقى تصويرية" لحرب قادمة أو على وشك أن تندلع، كما رآه بعض المتابعين لهذا التصعيد.


لم تحدث قذائف الهاون أي خسائر، الرد الإسرائيلي بشن غارات جوية على أربعة مواقع يرافقها قصف مدفعي من المدرعات والدبابات على الحدود، أوقعت إصابات طفيفة جداً، وإعلان الجيش الإسرائيلي لمستوطني غلاف غزة، بالاستمرار في أنشطتهم الزراعية والصناعية كالمعتاد، ذلك كله أوقف التكهنات بتصعيد إلى حرب جديدة، "الجهاد" انتقمت وإسرائيل ردت وانتهى الأمر.


باختصار، كان هناك شكل من أشكال التصعيد المدروس بدقة وحذر شديدين من قبل الجانبين، لكن رسالة الجهاد التصعيدية، ربما ما هي إلاّ شكل من أشكال الخداع العسكري السياسي، باعتبار أن ما جرى من قصف بالهاون، ما هو إلاّ تمهيد للرد الفعلي والعملي الذي يتوازى مع جريمة تفجير النفق، وحتى تطمئن دولة الاحتلال إلى أن ما تم من خلال القصف بالهاون، رسالة كافية باعتبارها الرد على أحداث النفق، في حين أن الجهاد يعكف على الإقدام على عملية انتقامية مؤثرة موازية على ما اقترفه الاحتلال في عملية تفجير النفق، لكن في الوقت المناسب وفي إطار من دراسة دقيقة لردود الفعل الإسرائيلية وسيناريوهات واحتمالات ونتائج ذلك.


وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن حركة الجهاد خضعت لعدة مجالات من الضغوط كي لا تقدم على تصعيد عسكري مواز لجريمة تفجير النفق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، من حركة " حماس " التي حمّلتها الدولة العبرية مسؤولية القصف بالهاون، وكذلك القاهرة التي أشارت عدة وسائل إعلامية إلى أنها تدخلت لدى "الجهاد" منذ أحداث النفق، وحتى التصعيد الأخير، كي لا تقدم على ما يمكن اعتباره شرارة لحرب قادمة.


في حالات مشابهة سابقة، كان الجيش الإسرائيلي يوعز للمستوطنين في غلاف غزة بالمكوث في بيوتهم والانتباه إلى دعوات محتملة للنزول إلى الملاجئ، هذه المرة، سمحت القوات الإسرائيلية للمستوطنين بعدم التوقف عن القيام بأعمالهم، لكنها رافقت طلاب المدارس إلى مدارسهم مع رسالة إعلامية تقول: إن ذلك يعود إلى رغبة الجيش في أن يطمئن المستوطنين، وإن كان ليس هناك من خطر يتهدد المستوطنين والمستوطنات، وكأن الجيش الإسرائيلي، كان يعلم مسبقاً أن هذا التصعيد "مدروس بعناية" وأن إمكانية السيطرة عليه واردة، بل مؤكدة، خاصة بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي استمراره بالأعمال الهندسية في بناء جدار غزة، وكأنّ شيئاً لم يكن!


ورغم كل ما قيل عن رسائل متبادلة بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل على خلفية هذا التصعيد، إلاّ أننا نعتقد أن هناك رسالة واحدة وحيدة لا غير، تتمثل في أن كلا الجانبين ليسا في وارد إشعال حرب جديدة، وأن التصعيد المدروس بعناية من الجانبين، يهدف إلى عدم الانجرار إلى حرب إضافية، أي تصعيد من أجل عدم التصعيد إلى حرب رابعة على قطاع غزة، في الوقت الراهن على الأقل.


إلاّ أن الوجه الآخر، للتصعيد المدروس والردّ المدروس بعناية، هو أن هناك احتمالات متزايدة، لتصعيد حقيقي قد لا يمكن السيطرة على مخرجاته وتداعياته في حال ظل الوضع تحت طائلة الرد من ناحية، والانتظار لهذا الرد من الناحية الأخرى، الخداع المتبادل هذه المرة، قد يستمر بوسائل وطرائق أخرى، قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع من دون قدرة على تدخل الوساطات والأطراف المعهودة، إلاّ أن ذلك كله قد ينتظر جملة من التحوّلات، بما في ذلك إمكانيات المصالحة، والأحاديث المتواترة عن صفقة سياسية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد