يجمع المراقبون على ان الاعتداء الإرهابي الذي نفذته مجموعة من الإرهابيين في مسجد الروضة في قرية بئر العبد في شمال سيناء يمثل تصعيداً غير مسبوق في الحملة الإرهابية الدموية التي تستهدف مصر منذ فترة، وخاصة بعد الإطاحة بنظام محمد مرسي الإخواني. فهذا العمل الإجرامي أوقع أكثر من 300 شهيد وعددا كبيرا من الجرحى، جاء في توقيت مقصود ومخطط ذي دلالة، يخدم أهداف من يقف وراءه.


الهجوم حصل بعد وقت قصير من صدور تقرير عن البنك الدولي يقول ان الاقتصاد المصري يتعافى وهناك توقع أن تصل نسبة النمو في العام2017 - 2018 إلى 4.5% وفي العام 2019 إلى 5.3% ، وأن الاقتصاد المصري حقق بداية طيبة في برنامج الإصلاح الذي يدعمه صندوق النقد الدولي، في مجالات تحقيق نظام صرف مرن للعملات الأجنبية وتخفيض عجز الموازنة، وإصلاح دعم الطاقة، وإشراك النساء والشباب، وإصلاحات هيكلية واسعة تشجع الأعمال التجارية والاستثمار. كما أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي سوبير لال الذي زار مصر قبل يومين من الاعتداء الإرهابي عبر عن تقييمه الإيجابي لبرنامج مصر للإصلاح الاقتصادي على خلفية الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الحكومة على مستوى السياسات والتي أدت الى تعزيز ثقة السوق وتعزيز النمو وتقليص عجز الموازنة وتحقيق ارتفاع في احتياطي النقد الأجنبي هو الأعلى منذ العام 2011، وانخفاض معدل التضخم. 


كما أنه حصل بعد أن تعزز وضع مصر الإقليمي والدولي، بعد تحقيق اتفاق المصالحة الفلسطينية ورعاية مصر له، وبعد الدور الذي لعبته وتلعبه مصر في قضايا إقليمية ذات أهمية بالغة مثل دورها في معالجة السياسة القطرية بالتنسيق مع السعودية والإمارات، وفي التسوية في سورية، عدا عن الدور المحوري في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ولا شك أن تحرك مصر السياسي النشط في المنطقة له اعتبار مهم في استهداف الاستقرار والأمن المصري.


ويأتي الهجوم الإرهابي الدموي بعد النجاح الذي حققته قوات الأمن المصرية في حربها ضد إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة، وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدها الجيش وقوات الأمن المختلفة في هذه الحرب وهي بلا ريب ثمن باهظ لهذه الحرب، إلا أن مساحة عمل المجموعات الإرهابية تقلص كثيراً، وهناك انتصارات تراكمية مهمة لقوات الأمن المصرية في سيناء ومختلف المحافظات، وفي إطارها تضعف قدرة العناصر الإرهابية وحريتها في العمل. وهذا ربما يفسر لجوءها إلى التصعيد الدموي الخطير الذي شهدناه في الهجوم على مسجد الروضة في بئر العبد.


لكل هذه التطورات هناك قوى لا تريد لمصر أن تتقدم على أي مستوى، بل تريدها أن تغرق في مشاكل لا حصر لَهَا. وإذا نجحت في تدميرها على غرار ما حصل في العراق وسورية فهذا ربما هو الهدف المفضل. 


مصر مستهدفة من قوى معادية كبيرة وصغيرة على السواء لا تريد للأمة العربية ان تقوم لها قائمة، وبعد تدمير القوتين المركزيتين العراق وسورية اللتين كانتا مع مصر تشكلان ثلاثية القوة العربية في وجه العدوان، أصبح إضعاف مصر هدفاً لعملاء القوى المعادية لمصالح الأمة العربية، بعد أن فشلت في تفكيكها بحكم إسلامي يتساوق مع هذه المخططات المجرمة.


هذا الوضع الذي تشهده مصر التي تنجح في صد كل المؤامرات المعادية، لابد وان ي فتح الباب أمام مراجعة جدية لكل ما يتعلق بالخطاب الإسلامي المتطرف الذي يسيطر على مساحة واسعة من وسائل الإعلام في العالم العربي، بما فيها الكم الهائل من الفضائيات الممولة من دول الخليج، التي تبث التخلف والتطرف معاً في برامجها التي تحمل الصبغة الدينية والتي تستضيف كل أشكال الفتاوى الهدامة، وأفكار التخلف والانغلاق التي تروج لها على اعتبار انها الحقيقة التي لا لا جدال فيها. 


يمكن مشاهدة الأفكار المتطرفة كالتي حملها سيد قطب وأبو الأعلى المودودي ومحمد بن عبد الوهاب وابن تيمية، والتي تتحدث عن الحاكمية والتمكين، فتكفر المجتمع طالما لا يتمرد على حكم البشر ويدمره، يرفعون الشرائع الى مستوى العقيدة. وهي أفكار سياسية بامتياز تريد فرض نمط من الحكم والحياة على البشر يخالف قواعد التطور الحضاري الإنساني الذي وصلته المجتمعات البشرية، باسم الدين وباسم الله البريء من أفعال المجموعات والمنظمات التي تحملها.


والغريب أن عالمنا العربي لا يتفكر في مصدر هذه الأفكار وهذا النهج، فهو صنيعة الاستعمار بامتياز بادرت له بريطانيا، وشجعته لاحقاً أميركا وتبنته، وأنتجت مفاعيله الحديثة، وحركاته وأحزابه التي لم تكن «القاعدة» آخرها. ولا حتى «داعش» التي يتشدق الجميع بمحاربتها. فيبدو أن الأسماء تختلف وتبتدع اسماء ومسميات جديدة لنفس الصناعة التي تنتقل من دولة إلى أخرى، مع الحفاظ على نفس الأهداف التي تتمثل في نشر التخلف والخراب وتدمير مقدرات الشعوب وإعادة استعمارها بحجة مكافحة « الاٍرهاب». 


نحن بحاجة لثورة تنويرية جديدة قائمة على محاربة الأفكار التي تريد للعرب أن يبقوا على ما هم عليه ويذهبوا اكثر نحو المزيد من التخلف والتطرف الهدام، وإعادة الاعتبار لكل ما هو تقدمي وحضاري في الثقافة الإنسانية. وهذه الثورة يجب أن تبدأ بإغلاق كل الفضائيات والمواقع الإعلامية التي تمولها المؤسسات الرسمية العربية، والتصدي للمواقع الأخرى التي تمولها منظمات الاٍرهاب والتطرف، لتتمكن الأمة من النهوض بالإنسان العربي ودفعه نحو المزيد من الرفاه والتطور والرقي، أسوة بكل الشعوب المتحضرة التي قطعت أشواطا كبيرة على صعيد العلم والكرامة الإنسانية، والحقوق التي تكفلها النظم الحديثة. وليترك الدين كعلاقة للإنسان مع ربه بعيداً عن السياسة والحكم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد