أن يقوم أي شخص بانتقاد موقف أي حركة سياسية فلسطينية من قضية ما هذا أمر طبيعي ومن حقه بل من واجبه أحياناً، وهذا مبدأ عام ينطبق على الجميع بما فيها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وموقفها من المصالحة الوطنية، فأن قام شخصٌ ما بانتقاد موقفها من المصالحة فهذا أمر طبيعي ومن حقه، ولكن غير الطبيعي والذي ليس من حقه أن يقوم بتشويه موقفها من المصالحة ويصورها كأنها خارجة عن الاجماع الوطني وتابعة لدولة معينة ليتسنى له انتقادها ومهاجمتها بما ليس فيها، خاصة وأن هذا الشخص ينادي ليل نهار بالحرية والديمقراطية والتعددية والتنوّع ثم يُنكر على حركة الجهاد الإسلامي أن يكون لها موقف حر متميز– ليس رافضاً – من المصالحة التي طالما دعت إليها وعملت على تحقيقها طوال عهد الانقسام البائس، ثم يُطالب الجميع – أفراداً وجماعات وفصائل – بالتطابق في الموقف السياسي مُلغياً الاختلاف الطبيعي والتنوّع الفكري والتعددية السياسية التي دعا إليها بلسانه ولمّا تدخل مبادئها في قلبه، وكيف تدخل المبادئ في قلبه وهو بعيدٌ عنها بُعد المشرق عن المغرب وعلى النقيض منها فهو أستاذ في أصول الانتهازية وضليع في فن الوصولية.
ولتوضيح موقف الجهاد الإسلامي من المصالحة نلجأ إلى آخر بيان رسمي صدر عن الحركة بعد بيان القاهرة الأخير الصادر عن حركتي فتح و حماس ، وهو موقف ينسجم مع نهج الحركة الفكري وخطها السياسي وسلوكها العملي. فقد رحب البيان بما تم التوّصل إليه بين حركتي فتح وحماس في العاصمة المصرية القاهرة، وشكر مصر على دورها الإيجابي في المصالحة، وشدد على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتخفيف معاناة المواطنين وإلغاء كافة العقوبات المفروضة على غزة ، ووقف الاعتقالات السياسية والملاحقات الأمنية في الضفة، ودعت الحركة إلى استكمال الحوارات في باقي الملفات الوطنية المهمة وبناء إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية المتمثلة في التحرير والعودة والاستقلال.
هذا الموقف يؤيد المصالحة ولكنه يضعها في إطارها الوطني العام والشامل لتكون مقدمة حقيقية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في غزة, وخطوة مهمة لتحقيق أهدافه الوطنية الكبرى, والاتفاق على مشروع وطني جامع, واعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون بيتا للكل الفلسطيني وقائدة للمشروع الوطني الفلسطيني, ويؤيد المصالحة ولكنه يرفض أن تكون مدخلا لنزع سلاح المقاومة أو صفقة القرن الأمريكية. فمن أراد أن ينتقد هذا الموقف فمن حقه، ولكن ليس من حقه أن يأتي بموقف من عنده يشوّه موقف الحركة الحقيقي ليُخرج أضغانه الداخلية على الحركة ويسقط عُقده النفسية الكامنة عليها.
وإذا ذهبنا بعيداً في العمق لتفسير هذا الموقف غير الموضوعي لمثل هؤلاء الأشخاص فنجد أن البعض منهم قد كان يُظهر التعصب لحزبه – آنذاك – في أسوأ صوره بشاعة، والتطرف ضد مخالفي حزبه في أشد ألوانه قتامة، والجمود على أفكاره في أقصى درجاته تخلفاً، والتصلب في التمسك بآرائه في أدنى دركاته انحطاطاً... وما أن تغيّر الزمن وأفل زمن حزبه – أو هكذا خُيّل له – قفز سريعاً في قطار أوسلو، وضبط ساعته بتوقيت السلطة، وغيّر شكله وأزال لحيته وتنكرٌ لحزبه وقت المحنة وفتح دكاناً بيافطة إسلامية ليبيع الوهم ويمارس الارتزاق من خلالها، لينسجم والمرحلة الجديدة، ويُعدّل أفكاره القديمة بغيرها جديدة لتتناسب مع الواقعية السياسية التي تُخفي في باطنها انتهازية شديدة النفعية, وأنانية في منتهى النرجسية, ونزعة مصلحية هي في حقيقتها جوهر الميكافيلية، فأصبح هو والانتهازية وجهين لجوهر واحد عرّفه إبراهيم مدكور في معجم العلوم الاجتماعية " اتجاه يلحظ لدى الفرد والجماعة ويتلّخص في تحيّن الفرص وتخيّر الظروف لتحقيق هدف أو غاية دون استمساك بمبدأ أو التزام بخطة أو برنامج" ، وجسدّها التلفزيون المصري في شخصية (إحسان بك أبو المعاطي) في مسلسل (الكهف والوهم والحب) الذي بثه عام 1989, وكان أبو المعاطي فيه نموذجا للشخصية الانتهازية حيث كان جاسوساً ومقربا للنظام الملكي قبل الثورة المصرية عام 1952, وما أن جاءت الثورة لم يلبث طويلا حتى أصبح مسئولاً كبيراً في النظام الثوري الحاكم.
وبناءً على ما سبق فإن (أبو المعاطي الفلسطيني) ربما أراد من تشويه موقف الجهاد الإسلامي من المصالحة ثم مهاجمتها على خلفية هذا الموقف المشوّه ما أراده سحرة فرعون منه إن هم غلبوا موسى – عليه السلام – أي الأجر والقُربى من سيده الجديد بعد عودة السلطة بموجب اتفاقية المصالحة إلى غزة، ولكن نسي أن عصا الحق تغلب دائماً حبال الباطل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية