مرة أُخرى ينطلق قطار المصالحة الفلسطينية من العاصمة المصرية، من جديد تحتضن القاهرة مباحثات المصالحة بين حركتي فتح و حماس ، القطار تغير، والرعاية المصرية تغيرت، حتى المفاوضون من الطرفين قد تغيروا، ان لم يكن بالأشخاص ففي الرؤية والمقاصد، في حين انتقل الدور المصري من الشاهد الى الشريك، ومن المراقب الى الضاغط، بهدف إزالة العوائق، وهي عديدة، من بين ملفات المصالحة المعقدة والشائكة.
انطلاق هذا القطار بالأمس من القاهرة، لا يعني انه لن يتوقف هذه المرة الا في المحطة النهائية، فدون ذلك عديد من المحطات، فالأمر يتعلق هذه المرة بالبدء بالملفات التي لها أولوية عن غيرها، ليس لأنها اكثر اهمية، ولكن لكونها تمهد الطريق امام توفير اسباب عودة الثقة بين الجانبين من ناحية، ولأن هذه الاولوية تتعلق بتسهيل التوصل الى توافقات حول الملفات الأخرى الاكثر خطورة وتعقيداً.
فقد تسلمت حكومة التوافق الوطني برئاسة رئيس الحكومة الحمد الله الوزارات في قطاع غزة ، ونعتقد ان الاولوية يجب ان تتناول ملف تمكين الحكومة من العمل فعلاً في قطاع غزة، ذلك ان ما تم هو عملية تسليم ذات طابع احتفالي توازى مع مرونة هائلة من قبل حركة حماس في تسليم مقاليد الوزارات لوزراء الحكومة، الا ان عملية التسليم رغم نجاحها لم تكن لتوفر أسباب «التمكين» نظراً لعامل الوقت، ذلك ان هذه العملية توقفت عند تسلم المباني والمكاتب، من دون الملفات والميزانيات والمشاريع .. الخ من امور تتعلق بعملية وجوهر «التمكين»، والمسألة الشائكة بهذا الصدد تتعلق بادارة اعمال هذه الوزارات ونقصد هنا الملف الأساسي على هذا الصعيد، وهو ملف الموظفين، واعتقد ان هذا الملف هو أسهل الملفات اذا ما توفرت النوايا الطيبة والثقة المتبادلة والضغوط المصرية، ولعل في عودة حكومة الحمد الله عن الإجراءات العقابية التي اتخذتها مؤخراً ضد موظفيها في قطاع غزة، بالنسبة للرواتب والتقاعد القسري تحديداً، ما يمكن ان يشكل بالضرورة فاتحة امل ودليلاً على جدية هذه الحكومة في المضي قدما في حل مشكلة الموظفين، خاصة هؤلاء الذين تم توظيفهم من قبل حركة حماس لادارة شؤون الوزارات في ظل الفراغ الوظيفي الذي أدى الى التزام موظفي حكومة الحمد الله في غزة بقرارها بعدم العمل في الوزارات في ظل سيادة حركة حماس على مقاليد الحكم في القطاع.
من التصريحات التي أدلت بها قيادات وازنة في كلا الجانبين، من المرجح ان يتم الاتفاق على حلول لمشكلة الموظفين باعتبارها فاتحة لحلول اخرى، مع ضمان ان لا يضار اي موظف بسبب انتمائه الحزبي والفصائلي، وعلى قاعدة عدم حرمان احد من قوت اولاده وأسرته، كمبدأ أخلاقي وإنساني بالدرجة الاولى، اضافة الى كونه مبدأ تعاقديا حتى وان كان من نتائج الانقسام، اذ لا ذنب للموظف الذي هو ضحية في نهاية المطاف!
ومن القضايا العاجلة والتي لا تحتمل التأجيل، وسهلة الحل في حال توفر الإرادة مع حسن النوايا، تلك المتعلقة ب معبر رفح ، ونعتقد أن هناك تفاهمات اولية تتبنى الموقف المصري من كلا الجانبين، ويقال بهذا الصدد ان القاهرة امتنعت عن فتح معبر رفح للجمهور في الوقت الذي فتحته لعبور وفد حركة حماس، بهدف الضغط على الجانبين من اجل التوصل الى تفاهمات نهائية بشأن المعبر، وبحيث تتمكن القاهرة من فتحه بشكل اقرب الى الانتظام بعدما تتوفر للمعبر الإدارة التي تنسجم ورؤيتها إزاء تسلم الشرعية الفلسطينية لهذه الإدارة.
ان حل مسألتي الموظفين والمعبر، يشكل بداية لا بد منها لتمكين حكومة الوفاق الوطني من العمل بفعالية في قطاع غزة، ومن هنا تبدأ عملية إنقاذ القطاع وأهله من مستنقع الكارثة الإنسانية التي حلت بهم، من خلال أزمات الكهرباء والماء والصرف الصحي والبطالة والفقر والضرائب المزدوجة الباهظة.
ان التصدي للملفات المعقدة والشائكة على حساب الملفات الآنية المستعجلة انما يعكس تردداً في اتخاذ موقف بناء وجدي من مسألة المصالحة، وكذلك فإن التوصل الى مثل هذه المصالحة بعد اكثر من عقد من الزمن من الانقسام، لا يمكن ان يتم من خلال صفقة شاملة، بل من خلال عملية متدرجة متأنية ولكن باستعجال زمني محسوب وبجدول غير قابل للانتهاك من اي طرف، من هنا نرى أن عدم الإصرار على فتح الملفات الشائكة والمعقدة في بداية انطلاق قطار المصالحة، يوفر شعوراً بالأمل وبإمكانيات النجاح!!
hanihabeb272@hotmai.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية