إسرائيل ليست صامتة إزاء ما يجري في قطاع غزة من انطلاق قطار المصالحة، الأصح أن الدولة العبرية مربكة وعاجزة عن اتخاذ مواقف واضحة، كان يمكن القول كما هو الأمر منذ الانقسام الفلسطيني، إن الحالة الفلسطينية في ظل الانقسام فائدة مجانية للاحتلال الإسرائيلي، لكن ماذا يمكن أن يقال، إذا ما تحول هذا الانقسام إلى انكشاف السياسة التي اتبعتها حكومة نتنياهو على صعيد التسوية السياسية، وماذا لو أن إنهاء الانقسام بات أحد أهم ملفات الجهد الإقليمي والدولي لتغيير خارطة المنطقة بأكملها.
يقول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ، وربما لأول مرة منذ الحديث عن المصالحة الفلسطينية ، إن اسرائيل لا يمكن أن تقبل بمصالحة «زائفة» على حساب الوجود الإسرائيلي وأوضح شروطه لكي يقبل بهذه المصالحة: اعتراف بدولة إسرائيل، تجريد حماس من سلاحها وقطع العلاقة مع إيران، ولكن قبل أن يضع هذه الشروط، تعامل مع حدث المصالحة بارتياب وتردد. وسائل الإعلام الإسرائيلية تعيد الأمر إلى أنه ـ نتنياهو ـ يراهن على عملية مصالحة طويلة ومعقّدة مرجحاً أن لا تصل إلى نهايتها على ضوء التعقيدات والتشابكات المتعلقة بملفاتها، يراهن نتنياهو على عامل الوقت، أيضاً، لكي لا يظهر أنه متشدد إزاء العملية السياسية وبإمكانه الاستمرار بسياساته المعلنة من دون إغضاب الإدارة الأميركية التي تبدو مهتمة جداً بما يجري، باعتبار أن ملف المصالحة يمهد الطريق أمامها لحث مشروعها الذي تعده لإحداث اختراق غير مسبوق على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي التفاوضي، عبر مشروع تحدث عنه نتنياهو صراحة قبل أيام عندما أشار إلى أن ترامب بصدد طرح مشروع بهذا الصدد وأن الأمر يتطلب من إسرائيل تجميد العملية الاستيطانية.
ما يقلق إسرائيل أن عملية المصالحة انطلقت ولا يمكن وقفها لسبب واحد هو الأكثر أهمية في هذا السياق، وهو الدور المصري غير المسبوق، إذ من المعروف أن مسؤولية ملف المصالحة كان لدى القاهرة معظم الوقت وهي التي قادت عدة مبادرات واتفاقات بين الجانبين، حركتي فتح وحماس، الا انها كانت تترك امر تنفيذ هذه التفاهمات والتوافقات اليهما، إلاّ أنهما تنصّلتا من الناحية العملية من هذه الاتفاقات عبر مبررات عديدة، هذه المرة هناك كل الثقل المصري القوي للدفع بهذه المصالحة إلى نهايتها.
لم تعد القاهرة مجرد مبادر وشاهد ومضيف للاجتماعات، هذه المرة، باتت القاهرة شريكاً ومشرفاً على عملية التسلم والتسليم للحكومة، ولن تكتفي بمراقبة مباحثات الجانبين بل أنها ستتدخل في معظم الأحيان للضغط عليهما لتجاوز الخلافات المحتملة.
الوفد الأمني المصري على أعلى مستوى، وكلمة الرئيس السيسي إلى حكومة الوفاق المجتمعة في غزة، الأكثر دلالة على أن مصر تراهن على قدرتها وسطوتها وتأثيرها بهدف الوصول إلى نهاية سعيدة لهذه المصالحة، عَبر تجاوز كل الخلافات والتعقيدات والتشابكات، مصر لا يمكن لها أن تقوم بهذا الدور لولا أنها تمسك بالأوراق الكافية لضمان نجاح مهمتها الصعبة والمستحيلة.
ولعلّ أحد أهم وأخطر الملفات المتعلقة بالمصالحة الفلسطينية هو ملف الأمن، ملف سلاح حماس، سلاح المقاومة، هناك تعارضات كبيرة واضحة إزاء التعاطي مع هذا الملف الحساس من قبل طرفي المعادلة الانقسامية، حركتي فتح وحماس تحديداً.
ويقال إن لدى مصر حلولاً إبداعية ستفرضها على جانبي المعادلة، هناك مؤشرات لا تزال في بداياتها تشير إلى أن القاهرة ستعاود بحث مسألة هدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل، هي تلك الهدنة التي كثر الحديث عنها، وبدأ النقاش حولها في نهاية وقف إطلاق النار إثر الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام، من شأن هدنة معلنة ورسمية، حتى لو كان الطرف الموقع عليها حكومة الوفاق أو حكومة الوحدة الوطنية، ستخفف من حدة هذا الملف في ظل حالة هدنة تستمر لعقد من الزمان أو أكثر.
كما أن جمهورية مصر العربية، قد تكون معنية بحدود معينة، بوجود قوة أمنية في قطاع غزة قادرة على التعاطي مع ملف الأمن القومي المصري ارتباطاً بالأحداث الارهابية في شبه جزيرة سيناء، أثبتت حركة حماس أنها القوة الأقدر على حمل مسؤولية هذا الملف بالنظر إلى أنها القوة الأكثر قدرة على التعاطي مع فصائل الإرهاب المختلفة، لأسباب أيديولوجية ووطنية وحرصاً على إنجاح التفاهمات الأخيرة بين القاهرة والحركة، وقد يشكل هذا التوجه جانباً من جوانب الحلول المحتملة للملف الأمني المعقد والشائك!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية