تقول جدتي "أن إحدى السيدات أرادت أن تستعين بأحد العرافين ليصنع لها "تعويذه" من أجل ترويض أفكار زوجها وجعله مطيعا لها وأن يسمع كلامها ويلبي طلباتها، تحمس العراف للفكرة وطلب منها إحضار شعرتين من دقن القرد وعصا طويلة، تشجعت السيدة للفكرة وقالت في نفسها أن المطلوب ليس يمكن تحقيقه، اشترت السيدة بعض الفواكه والمكسرات والفزدق ، وذهب لحديقة الحيوان وأطعمت القرد حتى كاد أن يشبع من الفاكهة والمكسرات وتحايلت عليه واقتصت الشعرة الأولى من دقن القرد، وهذا الأمر لم يعجب القرد غضب وزمجر وخدش يد السيدة وأصابها بالجروح، ومن ثم عاودت الكرة مرة أخرى في اليوم الثاني وحصلت على الشعرة الثانية من دقن القرد مع تنهيدة كبيرة على أنها أنجزت المستحيل، حملت السيدة شعرتي القرد وذهبت بها إلى العراف، الذي استقبلها بابتسامة عريضة وقال لها هنيئا لك لقد نجحت في المهمة أين العصا؟ فقالت هذه هي العصا أين شعرتي القرد؟ أمسكت بشعرتي القرد ووضعتها في يد العراف، أبتسم العراف وقال لها من استطاعت أن تتحايل على القرد وتختطف شعرتين من دقنه بالتأكيد قادرة على أن تتحايل على زوجها وتجعله يلبي رغباتها وأمسك العراف بالعصا وضرب السيدة التي لم تحسن التعامل مع زوجها".

الخصوم الفلسطينيين هم كالسيدة التي ذهبت للعراف من أجل ترويض زوجها، فالوطن وهمومه لا تحتاج دوما أن يذهبوا إلى دول الجوار من أجل تحقيق مصالحتهم والتي هي بين أيديهم وتطبيقها لا يحتاج إلى شعرات القرد من أجل ضمان تنفيذها، ما تحتاجه المصالحة إرادة وطنية فلسطينية وثقة متبادلة ما بين هؤلاء الخصوم.

بطريق العودة إلي الرابع من مايو 2011م، كان لابد أن تنتهي تفاصيل الانقسام الفلسطيني بضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وانجاز المصالحة الفلسطينية على الأرض، ولكن من يومها والمصالحة الفلسطينية تروح مكانها، وصولا لمحطة هامة وهي اتفاق الشاطئ في عام 2014 قبيل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، ومنذ ذلك التاريخ نعيش أحلام تحقيق وتطبيق بنود المصالحة المتعثرة بفعل تبعات العدوان الإسرائيلي تارة وأيضا لعدم وجود "عراب" جديد يرعى اتفاق المصالحة حتى وصلنا إلى القاهرة 2017م، بتطورات جديدة أهمها:

التطور الأول: أن حركة حماس عدلت من ميثاقها وأطلقت ميثاق جديد للحركة أكثر وضوحا وشمولا وأكثر واقعية وقريب من التطبيق على أرض الواقع، بالإضافة إلى تعيين قائد جديد لحركة حماس في القطاع وانتخاب رئيس جديد لمكتبها السياسي، وهذه الإدارة الجديدة لحماس تريد الخروج من مأزق الانقسام وتحسين ظروف حياة السكان في قطاع غزة وتقديم الدعم الكامل لأي جهد دولي أو عربي يصب في مصلحة إنهاء الحصار والانقسام.

التطور الثاني : القرابة السياسية ما بين القيادي محمد دحلان والتيار الإصلاحي وحركة حماس عجل من وجود اتصالات مكثفة في سلك السلطة الفلسطينية الدبلوماسي من أجل معرفة نتائج تلك القرابة، وما يتمخض عنها خوفا من عقد صفقة تاريخية ما بين تيار دحلان وحركة حماس يقضي بتعقيد المشهد السياسي الفلسطيني، وبات ذلك واضحا من خلال لقاءات قيادات فلسطينية مقربة من دحلان بقيادات من حركة حماس، وما تم الاتفاق عنه في لجنة التكافل الوطنية الإسلامية التي ترعى تطبيق المصالحة المجتمعية وعقد لقاءات للمصالحة بحضور قيادات الصف الأول في الحركات الوطنية الفلسطينية دون تيار الرئيس عباس، وهو ما أقلق قيادات السلطة الفلسطينية في رام الله .

التطور الثالث: يتمثل هذا التطور في العلاقة الطردية ما بين الرئيس عباس الذي ينادي بالسلام، وسياسة نتنياهو الذي ينادي بالاستيطان، وفقدان الثقة بالراعي الأمريكي بعد تسريب ورقة المقترحات التي تضمن حكما ذاتيا فلسطينيا وليس دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين، ما يبحث عنه الرئيس خلال الأيام القادمة هو دعم الفلسطينيين عامة .

 بعد ست سنوات نعود مجددا إلي القاهرة وتحديدا لإتفاق القاهرة 2011م، لقد أضاعت القيادات الفلسطينية ست سنوات من أعمارنا وذلك لغياب الرؤية الوطنية لديهم وعدم قدرتهم على تحقيق المصالحة والشراكة السياسية التي تُنهي معاناة مواطني غزة المتخمة بالحصار ومعاناة الضفة الغربية المتخمة بالاستيطان ولا ننسى من يعيشون في القدس الذين يتعرضون لفصول التهويد الإسرائيلي فصلا تلو الآخر.  

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد