اجتمعت فلسطين وأميركا مرّتين هذا الأسبوع، في المرة الأولى، عندما التقيا بالتعبير عن الغضب والرفض إثر تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان من أن المستوطنات جزء من إسرائيل وأن هذه الأخيرة تتعامل مع المستوطنين باعتبارهم مواطنين في أرضهم، زاعماً أن ليس هناك احتلال، إلاّ بمقدار (2%)  من الضفة الغربية، الفلسطينيون غضبوا وأدانوا واعتبروا فريدمان جاهلا بالأمور ويتعامى عن الحقائق المحددة والواضحة، بينما اضطرت الخارجية الأميركية، وللمرة الثانية، خلال شهر واحد إلى التقدم بتوضيح علني على لسان المتحدثة باسمها هيثر نارورت مفاده أن أقوال السفير لا تتفق مع السياسة الأميركية، بل وأضافت إنها مندهشة من الأرقام التي أدلى بها فريدمان «لا أدري من أين جاء بهذه الأرقام» مشيرة إلى أنه ليس هناك من علاقة بين أقوال فريدمان ورعاية الولايات المتحدة لمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبينما تتداول بعض المواقع الإخبارية الإسرائيلية ما زعمت عن مساع إسرائيلية حثيثة لإغلاق مفوضية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، يأتي الرد من العاصمة الأميركية، خلال اللقاء الذي جمع رئيس المفوضية الفلسطينية حسام زملط مع مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد سترفيلد وفريق دائرة الشرق الأدنى في مقر الوزارة بواشنطن، علماً أن مساعد وزير الخارجية كان قد تم تعيينه حديثاً، وأن هذا اللقاء من أول الأنشطة التي قام بها بعد تسلمه الموقع الجديد.
وبالتوازي مع حديث المستوطن الأميركي ـ الإسرائيلي فريدمان حول الاستيطان، يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال اجتماعه مع قادة المستوطنات في الضفة الغربية قبل أيام قليلة من أنه سيتم تقييد البناء في المستوطنات «مؤقتاً» بسبب ضغوط أميركية، وأنه يجب الإيفاء بالالتزام الإسرائيلي بهذا الشأن، لمنع إدارة ترامب من إدانة تلك المخططات في المستقبل، ذلك أن الرئيس الأميركي يعد خطة لدفع عملية السلام وأنه معني بتقييد البناء الاستيطاني في الفترة الحالية!
في مقال له، كتب اللواء محمد إبراهيم ما يشكل إشارات يمكن التوقف عندها لدى الحديث عن تسوية عربية ـ إسرائيلية، أهمية ما قاله في هذا المقال يعود إلى أن هذا الرجل كان وكيلاً لجهاز المخابرات المصرية، وهو الذي أدار ملف العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية على مدى ثلاثين عاماً، كما قاد الوفد الأمني السياسي في قطاع غزة فترة طويلة، وهو إذ اختار عنواناً محدداً له دلالة لمقاله: «كيف نجعل السلام المستحيل قريباً» فإنه يتناول محددين رئيسيين، الأول: ان اهتمامات حكومة نتنياهو وأولوياتها ليس من بينها حل القضية الفلسطينية، لكن.. لكن نجاح الدول العربية في إعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء رغم مرحلة عدم الاستقرار في المنطقة يعتبر نجاحاً هاماً وكبيراً، وإذا كنا نتعامل مع حكومة إسرائيلية شديدة التطرف، وأسقطت حل القضية الفلسطينية من أجندتها، وهذا هو المحدد الثاني، فإن تعاوناً عربياً ـ إسرائيلياً أو تقارباً أو تنسيقاً بينهما، قد يكون هدفا إسرائيليا.. ويتوجب للوصول إلى عملية سياسية بين هذين المحددين المتعارضين إتمام المصالحة الفلسطينية مع تمسك الفلسطينيين بالمبادرة العربية وإعداد ملفات الحل النهائي لبحثها عند استئناف العملية التفاوضية.. وعلى الجانب الإسرائيلي الاعتراف بأن مساعيها للاندماج في المحيط العربي لن يكتب لها النجاح إلاّ بحل القضية الفلسطينية.
ويمكن ملاحظة بعض التقاطعات، حول الدور العربي في هذا السياق من وجهة نظر أميركية، فها هو دنيس روس يدلي بدلوه، متقدماً بنصائح إلى إدارة ترامب «لإعادة محادثات السلام في الشرق الأوسط إلى مسارها الصحيح» حسب مقالته في موقع معهد واشنطن، إلاّ أنه يدخل إلى مدخل مختلف تماماً عندما يعتبر أن القضية المركزية هي «المسألة الإيرانية» وأن تعاوناً أميركياً ـ عربياً خليجياً سيمكن من نجاح المواجهة مع طهران، إلاّ أن ذلك يتطلب دوراً سعودياً لحل القضية الفلسطينية، وفي هذا السياق، يقول روس: يمكن أن يطلب من السعوديين أن يعلنوا عن إرسال وفد إلى إسرائيل لمناقشة التهديدات المشتركة والضمانات الأمنية في إطار مبادرة السلام العربية، مقابل إعلان إسرائيلي بالالتزام بحل الدولتين وأنها لن تقدم على بناء المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية الكبرى وتتنازل عن السيادة شرق الحاجز الأمني أو ما يصل إلى 92 بالمئة من الضفة الغربية!
سيناريوهات عديدة، لإعادة الاعتبار للتسوية السياسية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي على خلفية ما تشهده تلك البقعة الصغيرة جداً، قطاع غزة، الذي يشهد تحولاً هو الأهم في رسم خريطة المنطقة انطلاقاً من المصالحة الفلسطينية، التي باتت أولوية إقليمية ودولية!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد