في أجواء المصالحة إن صَلُح الحال، لا بد من ملاحظة الحاجة إلى شراء الوقت والمشاركة الواسعة، فالانقسام استمر أكثر من عشر سنوات، قبل استكمال توحيد القوانين والتشريعات والمناهج الدراسية بين قطاع غزة والضفة الغربية. 
من الأبعاد النسوية للمشاركة سيكون أمامنا طريقان على الأقل، ستحدد تبعاً لتطورات المسار ومتطلباته. أولهما انتزاع المرأة شرف المساهمة في استعادة الوحدة الوطنية وانتزاع حق المشاركة في لجان المصالحة، ويتوقف على تحقيق هذا؛ موقف المتنفذين والممسكين بدفة القرار كما يتوقف على توحُّد النساء إزاء المطالب. وثانيهما، ضرورة المبادرة إلى فتح الحوار بين المكوِّنات والاتجاهات النسوية الذي يتوقف على العوامل الذاتية، توفر الإرادة وعدم الاستسلام، النأي عن التبعية والاستقطاب والاستجداء. 
الوصول إلى هدف المشاركة يحقق غايات عميقة بنتائجها، انتزاع الاعتراف بدور وقوة النساء في المشاركة في دفع عملية السلم الأهلي وتثبيت حقهن في صياغة المستقبل الفلسطيني. وتحقيق الهدف الثاني يتجلى في الحصول على توافق نسوي بين الاتجاهات النسوية المختلفة، على الموضوعات والقضايا الاجتماعية قبل نقلها إلى طاولة المصالحة، التوافق على القوانين ذات الأبعاد الاجتماعية وإدماج المنظور النسوي. بمعنى أن يُطْرَح  موضوع مشاركة قطاع المرأة على بساط البحث، كجزء من بناء عملية المصالحة برمتها؛ الانتقال إلى الأمن والسلم الأهلي وتحقيق العدالة الانتقالية بعد انتهاء الصراع الداخلي والحفاظ على ديمومته.
قد تجيبنا الوقائع بانكسار على أهمية توسيع المشاركة في تحقيق المصالحة، حيث أفرز عنف الانقسام السياسي إعادة إنتاج العنف الاجتماعي، انحطاط القيم وسموم الكراهية وشيطنة الآخر. تعدى الانقسام السياسي قافزاً الى الثقافي والاجتماعي، انتقل من مصطلحات التخصيص إلى التعميم: الأخيار والأشرار. المجتمع بأسره  كان المتلقي للممارسات والإسقاطات وإفرازات الواقع المنقسم. 
في هذه اللحظة الحساسة، توجد فرصة مهددة بالتقويض، استمرار النسق السابق في الحوار سيعيد انتاج ذات الوصفة مع إضافات محسنة للتكيّف والتنميط مع الانقسام، وحدة شكلية قشرية لا تغني أو تُسمن من جوع، تبقي الاصطفافات وسموم الكراهية والنوايا الخبيثة.
 جميع محاولات المصالحة لم ترتق سابقاً ولا زالت بعيدة عن الخوض تأثيراته على مختلف القطاعات والشرائح، تجريده من أبعاده الاجتماعية بإقصاء القوى الاجتماعية المتأثرة منه، استبعاد ممثلي المجتمع المدني وفي مقدمتهن النساء والشباب عن جلسات الحوار والتفاوض جَرَت في عواصم عربية أو في داخل الوطن.
    وبين عدم الاعتراف بالخلاف الاجتماعي علناً وبشكل واضح؛ وبين الاستبعاد والتفرد بالقرار وإعلاء شأن المصالح الحزبية والفئوية، تبقى التخوفات السابقة واردة، وقوع المجتمع وتحديداً النساء ضحية التجاذبات السياسية دون مشاركة القوى والأطراف الثالثة ممثلة بالمجتمع المدني ومنه المرأة.
السؤال الذي على النساء توقعه واستشرافه: هل ستكون عملية المشاركة سهلة في ظل المواقف المختبرة، المماطلة والمراوغة والاحتكار والاستبداد؟..الجواب المنطقي: لا كبيرة! ففي أغلب الأحوال يتم إهمال النساء وتجاهل آرائهن واستبعاد أصواتهن، ما يرتِّب قيام المنظمات النسوية الخروج عن الاستكانة والنصّ بشكل عملي، ليس بالأقوال والعتاب والبكائيات.
إن تجاهل الأبعاد والعناوين المخفيّة للخلاف، الأبعاد العقائدية والفكرية أو التنكر لقضايا التمييز وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية أو النظر إليها كقضايا هامشية ليست ذات أولوية، بمعنى إمكان تأجيلها لما بعد التوصل الى التوافقات السياسية أو عقد الصفقات السياسية حولها في أحسن الأحوال أو النظر للقطاعات الاجتماعية، ومنها القطاع النسائي، بأنها مُمَثَّلة بشكل أتوماتيكي من خلال القوى السياسية، عدم الاعتراف بوجود فئة المستقلين تنظيمياً وهي فئة واسعة نسبيا في ظل انطفاء الاحزاب، يعني مواجهة الانقسام بشكل شمولي، تجاهل تزعزع وخلخلة النسيج الاجتماعي، بما يؤدي إلى استمرار الاصطفافات وتهديد السلم الاهلي. 
الرهان مفتوح للمنظمات النسوية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني أن تأخذ نصيبها في المساهمة في انتاج حل نهائي للمشهد الانقسامي، فالمرأة وكما هو معلوم تشكل الركن الأساس في البناء الأسري وبذلك تلعب دوراً متميزاً في صناعة الاستقرار المجتمعي، فإتاحة هذا الدور تتطلب تفهم ان ليس كل شيء يحسمه المستوى السياسي، وإن تجسيده على الأرض وضمان حيويته تمنع من السكوت عن استمرار المماطلة أو وضعه في خانة المؤجلات، فحين نمارس مناقشة علمية لدور المرأة في المصالحة الوطنية، من الضروري أن لا نأخذ ذلك بشكل فوقي ونسترسل في شرح قائمة الينبغيات.
وأخيراً، إن خطابنا السياسي لا ينفك لحظة عن تمجيد الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ودور مؤسسات المجتمع المدني، ولكن الواقع يشهد سحب البساط، مَرّة إثر مَرّة، من تحت الأقدام حين تحين اللحظة، ومن هنا لا بد من المطالبة بأن يتم الاعتذار للمجتمع بأسره عن الأخطاء المرتكبة بحق المجتمع الفلسطيني وقضيته، وتحمل المسؤولية الاخلاقية عن أثره في الإضرار بسمعته، فرداً فرداً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد