2014/11/01
223-TRIAL-
إلى أي حد ستصل حالة "التوتر" في العلاقة بين واشنطن و بنيامين نتنياهو ، الذي وصفه مسؤولون أميركيون بالجبان، الذي يخشى على مقعده فقط، وانه ليس رابين ولا شارون وبالتأكيد ليس مناحيم بيغين، في إشارة إلى كونه شخصية رافضة للسلام وعاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية، وفي سياق ما وصف بأنه حرب كلامية بين الجانبين، قال الصحافي الأميركي جيفري غولدبرغ بأن نية نتنياهو تجاوز إدارة الرئيس باراك أوباما، عبر الكونغرس فيما يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران وقرب التوصل معها إلى اتفاق، أدت إلى رد فعل قاس من قبل المسؤولين في الإدارة الأميركية.
أول ما يمكن لحظه في هذا المجال، هو أن ما يظهر على انه توتر في العلاقات، إنما هو محصور في شخص، وفي أبعد الأحوال في سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، فواشنطن تحرص دائما على أن لا تثير ما يمكن تفسيره على انه مساس بعلاقاتها الإستراتيجية بإسرائيل، وانه في حال ظهور خلاف بين الجانبين إلى دائرة العلن، فإن ذلك إنما يكون "داخل" البيت، وهذا يحدث حتى داخل إسرائيل نفسها بين رئيس الحكومة وحتى بين الحكومة والمعارضة.
وفي الحقيقة، فإن عدم التوافق بين حكومة نتنياهو والبيت الأبيض ظهر خلال كلمته في الأمم المتحدة قبل نحو شهر، حين تحدث عن ضرورة ربط واشنطن بين حربها على داعش وسياستها تجاه إيران، ومن ثم واصل رئيس الحكومة الإسرائيلية شد الحبل إلى أقصى مدى، في كلمته في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست يوم الاثنين الماضي، حين أعلن عن مواصلة البناء الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، واظهر رفضه التام للسلام مع الفلسطينيين، واظهر قدرا عاليا من التبجح وإعداد الرأي العام الإسرائيلي إلى حرب دائمة مع المنطقة، ولم يتحدث بكلمة واحدة عن السلام، فضلاً عن إنهاء الاحتلال، الذي هو السبب الرئيسي للتوتر في القدس وفي المناطق الفلسطينية بأسرها، بل وأحد أهم أسباب اضطراب المنطقة وعدم استقرارها.
صحيح أن خطاب نتنياهو في الكنيست كان حاداً للغاية، واظهر حقيقة ما وصل إليه اليمين الإسرائيلي من تطرف بالعودة إلى مربع الصراع الأول، إلى ما كان عليه الحال في خمسينيات القرن الماضي، وربما كان نتنياهو يخاطب بالأساس حلفاءه في اليمين، درءاً لمشروع قرار حجب الثقة، بعد أن تزعزعت ثقة اليمين به، على خلفية الحرب على غزة ، وبعد ظهور محاولة تشكيل معارضة فعالة، إن كان تلك التي يمثلها حزب العمل برئاسة اسحق هيرتسوغ، الذي بدوره شن هجوما كاسحا على نتنياهو في كلمته أمام الكنيست، أو محاولة تشكيل تحالف بين تسيفي ليفني ويائير لبيد، وزير المالية الذي رفض تمويل بناء المستوطنات على حساب ميزانية وزارات أخرى.
لكن ما هو جدير بالذكر أن واشنطن التي تواجه صعوبة في مواجهة "داعش" ميدانياً، وقد ظهر ذلك في معركة "كوباني _ عين العرب" حيث احتاجت إلى مساندة القوات التركية، كذلك من أجل حرب تقول واشنطن بأنها قد تستمر عشر سنوات، تحتاج خلالها إلى تحالف إقليمي، ذلك أن التحالف الدولي لا يكفي لحسم الحرب، وهذا يعني أنه من اجل أن يكون بمقدور دول عربية، مثل: الأردن، قطر، الإمارات والسعودية، فضلاً عن تركيا وإيران، أن تتحالف معها بقوة، لا بد أن تظهر الولايات المتحدة قدراً من الاهتمام بالملف الفلسطيني، وكما حدث بعد حربها الثلاثينية عام 1991 على العراق، حين اتهمت بالكيل بمكيالين، واضطرت إلى عقد مؤتمر مدريد، الذي نجحت به، بعد ممارسة الضغط الشديد على حكومة اسحق شامير في وقتها، عبر تعليق القرض الأميركي الذي كان بعدة مليارات من الدولارات، فإن أميركا قد تواجه بمثل هذا الأمر الآن.
على الأقل، تحتاج واشنطن إلى استجابة من نتنياهو إلى ما يبرر قيامها باستخدام حق النقض "الفيتو" في مواجهة مشروع قرار محتمل في مجلس الأمن يطالب بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية، العضو المراقب في المنظمة الدولية، والتي تتوالى اعترافات الدول بها بهذه الصفة.
يمكن القول إن نتنياهو الذي يحرص على البقاء في مقعد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بات يشعر بالقلق والتوتر، جراء الأداء الدبلوماسي الفلسطيني الناجح الذي يقوده الرئيس محمود عباس ، والذي لم يستخدم الكثير _ بعد _ فهو يركز على ما هو جوهري، أي إنهاء الاحتلال، ويبتعد عن "الأكشن السياسي"، من قبيل فتح ملف مقاضاة نتنياهو وأركان حكومته كمجرمي حرب، على خلفية ما قاموا به في غزة مؤخراً، ولم يطلق الفلسطينيون بعد انتفاضتهم الشعبية في القدس والضفة الغربية، كما أنهم لم ينجزوا الوحدة الداخلية بشكل كامل بعد، ورغم هذا فإن "بعوضة عباس تدمي مقلة نتنياهو"، فقط من خلال فتح جبهة مواجهة واحدة، هي الجبهة الدبلوماسية / الدولية.
لم تنته الحرب فعلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما زالت الحرب سجالاً بينهما، وليس مهزوماً، من لم يستسلم، بل وحيث إنه لا احد يمكنه أن يتكهن بما ستؤول إليه أحوال المنطقة بعد عشر سنين، فها هي تونس أيضا تصحح مسار الثورة، كما فعلت مصر، وتتجاوز الفوضى الخلاقة إلى رحاب الديمقراطية التي تقوي من سلطة الشعوب العربية، التي لن تكون، ولا بأي شكل إلا نصيراً للفلسطينيين وشادّة من أزرهم.
فقط، لا بد من مطالبة الدول العربية والإسلامية، أميركا بأن تساوي في حربها بين الإرهاب والاحتلال، وان تشترط من اجل مشاركتها واشنطن في حربها على داعش، أن توافق على المطلب الفلسطيني بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال، فإن وافق نتنياهو بعد موافقة واشنطن، كان ذلك من خلال مفاوضات بين الجانبين برعاية أميركية/ دولية، وإلا على واشنطن أن تمرر مشروع القرار الفلسطيني بالخصوص في مجلس الأمن، وان تمتنع عن التصويت ضده في أضعف الأحوال.
Rajab22@hotmail.com 51
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية