رشيد، لا تختلفُ تفاصيلُ حياتِه في قطاعِ غزة عن الكثيرِ من الشباب فهو يعيشُ فصولَ المعاناةِ مجتمعةً من "إغلاقٍ للمعابرِ وانقطاعٍ للكهرباء وتلوثٍ لمياهِ البحر وانعدامِ المياه العذبة والأمن الغذائي والبطالة وغيرها ...".
إلا أن "رشيد" يختلفُ في معالجتِه لتلك التفاصيلِ عن غيرِه من خلال مجموعةِ الأصدقاء المحيطين به وهم " طيور وأسماك وقطط وكلاب وزواحف"، يجدُ رشيد في هؤلاء أصدقاءَ له يكتمون سرَّه بالليل ويغردون له في كلِّ صباح.
رشيد عنبر يبلغُ من العمرِ "31 عاما" حاصلٌ على شهادةٍ في الاقتصادِ والعلومِ السياسية من جامعةِ الأزهر بغزة، لم يجدْ له مكاناً في دوامةِ السياسةِ، ولم يستطعْ أن يدفعَ العجلةَ الاقتصاديةَ للبلادِ إلى الإمام.
ما يستطيعُ فعلَه رشيد هو تربيةُ الطيورِ في بيتِه الصغير، حتى أصبحت مصدرَ رزقٍ له بالإضافةِ إلى هوايته ، مؤخراً أطلق رشيد مبادرةً اسمها " صديقي الحيوان" من خلال تلك المبادرةِ يقدمُ حلولا للمشاكلِ النفسيةِ والسلوكيةِ للأطفالِ في غزةَ من خلال كسرِ حاجزِ الخوفِ لديهم وشَرَحَ لهم أنواعَ الحيواناتِ والطيور الأليفة وأشرَكَهم بالأنشطةِ المهارية التي تمكنُهم من لمسِ الطائرِ والتعامل معه عن قربٍ ولمس الحيوانات والتعرف على أنواعِها وصفاتِها وخصائصها.
يصطحبُ رشيد في الصباح " ببغاواته الإفريقية وببغاء الدرة والكوكتيل وطائرَ الحب وطائرَ البادجي وجميعُهم طيورٌ مروضةٌ وأليفةٌ وقططه وكلابه والهامستر والقنافذ والأفاعي والأسماك" ويذهبُ بها إلى أحدِ المخيماتِ الصيفية ليقدمَ حلولا سلوكيةً للأطفالِ من خلال معرفةِ السلوك العصبي والانفعالي عند الطفلِ وتقييمه حسب طبيعةِ الحيوان أو الطائر الذي يتعاملُ معه .
يسعى رشيد لدمجِ الأنشطةِ الترفيهية والتعليمية بالحيوانِ من خلالِ نصائحَ سلوكيةٍ يقدمُها للأطفالِ حول كيفيةِ الرأفةِ بالحيوان وحبه وتقديم الطعام له ، في المخيمِ الصيفي لا يمكنُك أن تصفَ السعادةَ التي يشعرُ بها الأطفالُ عند تعاملِهم مع الحيواناتِ والطيورِالأليفة.
لقد وجد رشيد أن هناك عنفاً كبيراً عند عددٍ من الأطفالِ في تعاملِهم مع الحيواناتِ والطيور، حيث استعان ببعضِ عروضِ الفيديو عن الطيورِ والحيوانات ولاحظ مدى تأثرِالأطفالِ بطريقةِ حياة الطيور والحيوانات، ما يريدُ أن يصلَ إليه رشيد من خلال تلك المبادرةِ هي كسرُ حاجزِ الخوفِ عند الأطفالِ وإيجادُ طرقٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ للتعاملِ معهم من أجل حلِّ مشاكلِهم السلوكية والنفسيةِ خاصةً في ظلِّ الظروفِ التي يعيشُها قطاعُ غزة، إلاأن رشيد له غايةٌ أخرى من وراءِ ذلك وهي كسبُ رزقِه خاصةً أنه أصبحَ غيرَ قادرٍ على توفيرِ المأكلِ والمشرب ِفي الآونةِ الأخيرة لعدمِ إقبال مواطني غزة على شراءِ الطيورِ والحيوانات ، فهي بحاجةٍ دائمةٍ للطعام، وهذا فاق قدرةَ رشيد على توفير الأكل لها فأراد أن يستفيدَ من وجودِها بتوفيرِ عروضٍ للأطفالِ في أماكنِ تواجدِهم .
أخيرا لقد وجد أطفال قطاع غزة ضالتهم وعقدوا صداقات جيدة هذا الصيف مع مجموعة من الحيوانات والطيور هي كفيلة تعلمهم حب الأوطان وأهمية العيش بسعادة وأن تتوكل على الله في طلب رزقها وأن تغرد في كل صباح وتشدو بالأناشيد الصباحية، لاعنين ظروف الكهرباء والماء والحصار والإغلاق وغيرها من منغصات الحياة ومسببات ارتفاع ضغط الدم وتجلطاته، فحياه أطفال غزة يتم تعبئتها في مصنع الحياة، الذي يحده البحر الملوث من الغرب والسياج والحدود من الشرق والشمال والجنوب وكلها مغلقة.
رشيد حالةٌ فلسطينيةٌ أرادت أن لا تبقى حبيسةَ البيت تنتظرُ فرصةَ عملٍ مؤقتةٍ أو دائمة بل استشعر الخطرَ عندما وجد أنه ليس وحدَه الذي يعيشُ ظروفَ البطالةِ وانعدامَ فرصِ العمل، فقررَأن يصنعَ مبادرةً تساعدُه على كسبِ رزقِه وقوتِ يومِه.
كاتب وصحفي فلسطيني
alhadath@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية