لا يستطيع أحد من قبل أغلبية نواب الكنيست الإسرائيلي العرب وأحزابهم الادعاء أنه وصل إلى البلاد العربية والتقى قادتها بدءاً من الملك حسين والرؤساء حافظ الأسد وعلي عبد الله صالح وقادة الخليج العربي دون مرافقتي أو مساعدتي أو أنني فتحت لهم بداية الطريق أو منفذ الوصول حتى غدت الطرق مفتوحة إلى أحمد الطيبي الذكي الذي يجيد جمع العلاقات والتناقضات وتوظيفها أيما توظيف واستغلال يفوق الحد ويتجاوز من ساعده ويتفوق عليه.
بدءاً من الكبير عبد الوهاب دراوشة وطلب الصانع مروراً بتوفيق الخطيب وعبد المالك دهامشة وإبراهيم صرصور والقائد محمد بركة وليس انتهاء بصالح طريف، وعملت ذلك، وأديت واجبي نحوهم لقناعتي أن هؤلاء جزء من الشعب الفلسطيني الذي يستحق التضامن والإسناد وتوفير المظلة لهم على الطريق الصائب الذي سعوا فيه واختاروا من خلاله الحفاظ على هويتهم الوطنية الفلسطينية، وقوميتهم العربية، ودياناتهم الإسلامية والمسيحية والدرزية، واستعادتها وتطويرها كأقلية وطنية قومية تعيش على أرض بلادها فلسطين وهم ورثتها على أرضهم، وصولاً إلى انتزاع حقهم الكامل في المساواة أسوة بالمواطنين اليهود الإسرائيليين.
ثلاث خدمات قدمها الأردن لفلسطينيي الداخل، الحج والعمرة والجامعات، بفضل استجابة الراحل الملك حسين لمبادرات متتالية من قبل الراحل إبراهيم نمر حسين، ووعي ملحوظ واسع الأفق من طرف عبد الوهاب دراوشة أطال الله في عمره، وكان لي نصيب في تحقيق وتحسين وتطوير هذه الخدمات وتوسيعها لتشمل الوسط العربي الفلسطيني كله بلا استثناء، وعلى الرغم من زيارات قادة الوسط العربي الفلسطيني لعدد من البلدان العربية، ولكن عواصمها لم تتجاوب في تقديم أي خدمات ملموسة للوسط العربي الفلسطيني باستثناء تبرعات مالية من قبل قطر والإمارات لتغطية بناء بعض المؤسسات الضرورية لدى عدد من القرى العربية في مناطق 48 (مدينة رياضية ومركز ثقافي).
وحصيلة ذلك كان ضرورياً ومهماً ولكن تطور الوضع السياسي اليوم المأزوم لم يعد مثالياً لمواصلة الرهان على نفس الخيار، فالوضع العربي لم يعد الأفضل لدعم وإسناد أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة لأسباب سياسية وأمنية وحيوية، وعليه يجب التوجه نحو أوروبا لتعميق صلة المجتمع العربي الفلسطيني، وقياداتهم ونوابهم ومؤسسات المجتمع عندهم مع ما يماثلهم أوروبياً، فإضافة إلى الدعم المالي يحتاج الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48 إلى العامل الأخلاقي كأقلية قومية تتعرض للاضطهاد وسرعة استعمال الزناد وقتلهم دون سبب ملح أو ظرف موجب، فالتوجه نحو أوروبا يوفر للوسط العربي الدعم المالي والمعنوي المطلوب والحماية الدولية القانونية التي يفتقدونها، مثلما ينزع الغطاء الأخلاقي عن إسرائيل التي أقامتها أوروبا ملاذاً لليهود من الاضطهاد النازي والفاشي، على حساب أرض الفلسطينيين ووطنهم وحياتهم وحقوقهم، فأوروبا التي لا تزال تتمتع بمواصفات أخلاقية نوعاً ما تفوق ما لدى الولايات المتحدة وخاصة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أوروبا هذه تتحمل مسؤولية أخلاقية في المس بحقوق الفلسطينيين وفقدانهم وطنهم الذي تحول إلى الوطن القومي لليهود تعسفاً وباطلاً وتسلطاً.
فلسطينيو الداخل بحاجة لعاملين أساسيين حتى ينتصروا على المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وسياساته العنصرية الفاقعة وهما:
أولاً: كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة قضيتهم وشرعية نضالهم كي يكونوا شركاء لهم ومعهم في النضال ضد العنصرية والتمييز والاحتلال.
ثانياً: كسب الأوروبيين المسؤولين عن قيام إسرائيل على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها، أي أن الأوروبيين وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا، شركاء مع الحركة الصهيونية في جريمة استعمار فلسطين وانتهاك حقوق شعبها.
ولذلك على قادة الوسط العربي الفلسطيني تحويل اهتماماتهم وأولوياتهم نحو أوروبا والسير على الطريق الذي بدأه أيمن عودة وأحمد الطيبي وبعض مؤسسات المجتمع المدني، فهو الخيار الأصوب على طريق اختزال عوامل الزمن لتحقيق الانتصار واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني الكاملة غير المنقوصة، حقه في المساواة في مناطق 48، وحقه في الاستقلال في مناطق 67، وحق اللاجئين في العودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها العام 1948 ولا زالوا، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها وفق القرار الأممي 194.
أوروبا كانت رافعة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي قبل الولايات المتحدة، ولا زال لها دور ومكانة في إسناد متحفظ للمشروع الاحتلالي، وهي تتراجع تدريجياً عن دعم تل أبيب، وتتقدم ببطء نحو دعم نضال مكونات الفلسطينيين الثلاثة، ولذلك على مكون فلسطينيي 48 الانتباه إلى أهمية أوروبا ودورها وتأثيرها، خاصة بعد أن دمرت الحروب البينية مكانة العرب وأفقدتهم ملياراتهم، في حروب ظالمة وضارة غير منطقية.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية