يجب أن نعترف بأننا نعيش على مستوى صراعنا مع الاحتلال في أزمة عميقة وشاملة، أزمة قيادة وأدوات وخطاب، وأزمة ثقة بمشروعنا الوطني، وأزمة إحباط ونفور شعبي. أزمة تتعمق يومًا بعد آخر، حتى ان هبة القدس على مدار أكثر من عام ونصف لم تنجح بأن تخرجنا من أزمتنا، بالمقابل عدونا اللئيم الذكي ينتهز كل فرصة لتعميق أزمتنا وتعزيز مشروعه، حتى وصلت به الوقاحة لأن يشرع بالترتيب للاحتفال بحرب يونيو/ حزيران 1967 كحرب تحرير، ويطمح لأن يتحول إلى لاعب إقليمي مهم له مصالحه ونفوذه، دون ان يقدم للفلسطينيين سوى المزيد من الضم والقتل والتنكيل، وينجح المرة تلو الأخرى في تسجيل إنجازات على المستوى العالمي، وعلى مستوى منظمات الأمم المتحدة.

في هذا الوقت يأتي إضراب الأسرى ليمنح أشرعة سفننا ريح إسناد حقيقية نحو بوصلتها الوطنية، ويمنحنا فرصة ذهبية إن أحسنا استثمارها، وهي ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الأسرى يد المساعدة القوية لشعبهم من خلف جدران الأسر، فتاريخيًا كانت إضرابات الأسرى سلاحًا مزدوجًا للأسرى ولشعبهم، وكانت تشعل اشتباكًا على جبهة إدارة السجون، وعلى جبهة التحرر من الاحتلال ومواجهة بطشة ومشروعة الاستيطاني.

فمعركة الأسرى الجماعية داخل السجون تحسم في ساحات التضامن والنضال الشعبي المؤازر للأسرى خارج السجون، ولا يمكن لشعب فلسطين أن يترك جلاوزة الاحتلال يستفردون بأبطاله الأسرى لكسر إرادتهم، فالأسرى في إضرابهم عن الطعام - وهو سلاح يعتبر من أنبل سبل الرفض والمقاومة، ويحظى بتضامن وإجماع ومشروعية عالية جدًا - إنما يقومون أيضًا، إلى جانب نضالهم المطلبي، بتعرية وجه الاحتلال وكشف بشاعة جرائمه، ويسلطون الضوء على رواية أسرى الحرية الذين يدفعون ثمن النضال لأجل التخلص من آخر احتلال على كوكب الأرض، ويساهمون إلى حد كبير في تحريك الضمير الإنساني العالمي، ويعيدون للقضية الفلسطينية اعتبارها، ويعيدون دولة الاحتلال إلى مكانتها الطبيعية باعتبارها دولة احتلال عنصري.

من جهة أخرى، فإن إضراب الأسرى قد يشكل الدواء الأنجع لإخراجنا من أزماتنا، على اعتبار مكانتهم وما يمثلونه لشبعهم ووزنهم ورصيدهم لدى كل أطياف الشعب الفلسطيني، ونقدر بأن إضرابهم هو الأقدر على أن يفجر ثورة تضامن شعبي كبيرة وواسعة تقود حراكًا شعبيًا ضد الاحتلال، فتعيد تعريف صراعنا باعتباره صراعًا مع الاحتلال من أجل التحرر، ونحن اليوم بأمسّ الحاجة لقضية توحدنا وتستنهض عزيمتنا النضالية وتؤكد على بوصلتنا الوطنية من جديد.

ولكن لابدّ، ونحن نقود معركة التضامن الشعبي الواسعة مع الأسرى على كافة المستويات وفي مختلف الساحات والمحافل، ان نحافظ على وحدة خطابنا ووسائلنا ووحدة علمنا وهدفنا، وأن ندير معركتنا بما يخدم حشر الاحتلال وهزيمته، ومن المفيد التذكير هنا أننا في صيف عام 2014 كنا أقرب ما نكون إلى كسر ملف الاعتقال الإداري، عندما خاض الأسرى الإداريون معركة الإضراب عن الطعام ضد سياسة الاعتقال الإداري، وعانت إسرائيل كثيرًا جراء ذلك الإضراب، لكن لكم ان تسألوا وترجعوا للتاريخ بالسؤال: كيف انتهى ذلك الإضراب للأسف؟ وكيف نجت منه دولة الاحتلال؟

إسرائيل الاحتلالية النازية تدرك خطورة الإضراب الجماعي للأسرى، فبادرت - حتى قبل الإعلان عن الإضراب - بالهجوم المضاد وبممارسة الإرهاب على الأسرى، فعلى جبهة الأسرى أعلنت عبر وزيرها للأمن الداخلي جلعاد أردان أنها لن تشرع بالتفاوض مع الأسرى، وأعلنت عن إقامة مستشفى عسكري ميداني قرب سجن "كتسيعوت"، وعلى مستوى الداخل الإسرائيلي والدولي شنت حملة تشهير ضد الأسرى وتشهير بدوافعهم للإضراب، وفي ذلك صرّح عدد من الوزراء وكتب الكثير من الإعلاميين، واصفين الأسرى بالقتلة والمجرمين القساة، وأعادوا التذكير بما يوصف بـ "جرائم القتل" التي وقف خلفها مروان البرغوثي، والتي بسببها حُكم عليه بالسجن خمسة مؤبدات، كما يشهرون بدوافع قائد الإضراب مروان البرغوثي وأهدافه لتعزيز مكانته السياسية داخل حركة فتح، في محاولة لدحض أهداف الإضراب العادلة.

عصابة تل أبيب التي تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني استفزها مقال البرغوثي الذي نُشر في صحيفة "نيويورك تايمز"، فشنت هجومًا على الصحيفة، لا سيما ان الصحيفة عرفت البرغوثي بالسياسي وعضو البرلمان، هذا الهجوم الإسرائيلي اضطر الصحيفة لأن تضيف ملاحظة لاحقة تؤكد انه محكوم بخمسة مؤبدات. يائير لبيد زعيم "يوجد مستقبل" كتب مقالًا هجوميًا ضم "نيويورك تايمز" وضد مروان البرغوثي، ونشره في صحيفة "تايم أوف إسرائيل" باللغة الإنجليزية.

حكومة الاحتلال الحالية هي من أكثر حكومات الاحتلال تطرفًا في مواجهة الأسرى الفلسطينيين، وسبق ان سنت العديد من القوانين التي تشرعن سلبهم بعض إنجازاتهم، ومن الواضح ان إضراب الأسرى سيكون طويلًا وقاسيًا، طوله وقسوته سيرتبط بحجم التضامن الشعبي مع إضرابهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد