منذ الانطلاقة العملية للتسوية السياسية في مؤتمر مدريد 1991 لحل ما كان يسمى الصراع العربي الإسرائيلي  مرورا باتفاقية أوسلو 1993 التي شكلت منعطفا في تحويل الصراع إلى صراع فلسطيني إسرائيلي ، لم يحدث أن مرت القضية الفلسطينية بحالة شبيهة بما يحدث اليوم من التيه وغياب أو التباس المرجعيات الوطنية والعربية والدولية .

 فالخلافات الفلسطينية الداخلية وفشل جهود إنجاز المصالحة الحزبية والوحدة الوطنية المؤسساتية شوه وأضعف  المرجعية الوطنية الجامعة ، وفوضى الربيع العربي وانقسام العرب إلى محاور متصارعة غيَّب وأضعف المرجعية العربية حول القضية الفلسطينية بحيث أصبح الحديث عن البعد القومي للقضية الفلسطينية والمسؤولية القومية العربية ذكرى من الماضي كما أصبحت المبادرة العربية للسلام – 2002- حبرا على ورق وخصوصا مع تزايد حالات التطبيع بين أنظمة عربية وإسرائيل ، أيضا المرجعية الدولية لم تعد أساسا أو معترفا بها بسبب عدم إلزامية قراراتها – منذ عام 1947 إلى اليوم لم يصدر أي قرار دولي مُلزم لإسرائيل - وعدم قبول إسرائيل والإدارة الأمريكية بها ، أيضا خطة خارطة الطريق والرباعية الدولية والمبادرة الفرنسية ، ويمكن أن نضيف الوهم الكبير لمقولة المرجعية الإسلامية وأن فلسطين خط أحمر ووقف إسلامي وتحريرها واجب ديني الخ ، فجماعات الإسلاموية السياسية أساءت لفلسطين أكثر من أية جهة أخرى .

كان من الممكن التهوين من غياب أو عدم فاعلية المرجعيات والمبادرات الدولية والعربية لو أن الحالة الفلسطينية بعافية ، لأن الأصل في أي صراع ،وخصوصا إن تعلق بحركة تحرر وطني ، هو العامل الذاتي والعوامل الأخرى مساعدة . لكن ما يُعظم من التأثير السلبي للمبادرات والمرجعيات الخارجية هو ضعف العامل الذاتي الفلسطيني ، ليس ضعف من حيث عدالة الحق الفلسطيني أو تقاعس الشعب ، بل يعود لخلل في النخب السياسية بل إفلاسها السياسي .

ولأن إسرائيل تُدرك أن دوام الحال من المحال ، فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا ، وتدرك حقيقة أن الشعب الفلسطيني لم ولن يستسلم للأمر الواقع ، وأن هذا الشعب المنغرس في أرضه والمتمسك بهويته منذ أكثر من أربعة آلاف عام  سيجدد ثورته وانتفاضته بوسائل جديدة وبقيادات جديدة  ، فإنها تبحث عن ملهاة جديدة لتأجيل الانفجار كبديل عن ملهاة أوسلو ، من خلال الحديث عن حل إقليمي .

لقد سبق وأن حذرنا من تعريب القضية الفلسطينية أو أقلمتها في ظل الحالة العربية والإقليمية الراهنة ، فغالبية أنظمة المنطقة مأزومة ومزعزعة ومستعدة للتضحية بفلسطين والفلسطينيين حفاظا على وجودها ، وشعوب المنطقة منشغلة بهمومها الداخلية ، وهي وإن كانت متعاطفة ومؤيدة لفلسطين وعدالة قضيتها إلا أنها لا تستطيع عمل الكثير من أجل فلسطين . ولأن إسرائيل تدرك ذلك فإنها تسعى لخلط الأوراق من خلال حديثها عن حل إقليمي ، وهي في ذلك تلتقي مع رؤية الرئيس الامريكي ترامب ، بالرغم من أن أصل الفكرة تعود لوزير الخارجية السابق جون كيري في أواخر عهده  ، وأن كيري هو الذي سرب فكرة الحل الإقليمي ولقاء العقبة المصري الأردني الإسرائيلي في إطار المناكفة مع إدارة ترامب .

 خطورة الحل الإقليمي أو مجرد التعامل معه تكمن فيما يلي :-

تجاوز الشعب الفلسطيني وعنوانه الرسمي والتعامل مع أطراف عربية كبديل عنه ، مما يضرب بالصميم استقلالية القرار الوطني الفلسطيني والصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية  .

تعزيز مقولة عدم وجود شريك فلسطيني للسلام . فإسرائيل تريد من وراء طرح الحل الإقليمي القول بأنها مع السلام ولكن المشكلة تكمن في غياب الشريك الفلسطيني وقد تجد هذا الشريك في دول عربية ، وفي هذا السياق تندرج اللقاءات الأخيرة بين نتنياهو وكل من الرئيس المصري وملك الأردن بدون الرئيس أبو مازن .

القفز على جوهر القضية والصراع في المنطقة مما يجعل القضية الفلسطينية مجرد جزئية من المشهد العربي والإقليمي المتسيِّب والمنفلت والمهيأ لمزيد من الانقسامات ، وهي انقسامات وإعادة ترسيم حدود ستمتد لمناطق السلطة الفلسطينية .

الحل الإقليمي سيكون مدخلا وغطاء للتطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة ، وما جرى من تطبيع معلن وخفي بين إسرائيل وأكثر من نظام عربي بالإضافة إلى تحسن العلاقات بين تركيا وإسرائيل ، كل ذلك شجع إسرائيل على طرح فكرة الحل الإقليمي .

الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام والاتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين . وخصوصا فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية المستقلة .

الحل الإقليمي سيركز على قضايا الإرهاب والعنف ، وخطورة هذا الأمر لن تقتصر على تراجع مركزية القضية الفلسطينية بل سيخلط الأوراق من خلال المماهاة ما بين المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي وإرهاب الجماعات المتطرفة .

ندرك ونؤكد على أن أي حل إقليمي أو غيره لن يكتب له النجاح إن لم يحقق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإسرائيل تدرك ذلك ولكنها تريد كسب مزيد من الوقت لاستكمال مشروعها الاستيطاني والتهويدي  في الضفة و القدس .  لذا نتمنى على القوى الوطنية الحية في الشعب الفلسطيني سرعة التحرك لاستعادة زمام المبادرة قبل أن تتجاوزهم الأحداث ، وعليهم أن يأخذوا العبرة مما يجري في دول فوضى الربيع العربي – سوريا وليبيا واليمن والعراق - حيث تجري محاولات لتحديد مصير هذه الدول من خلال الفاعلين الإقليميين والدوليين بمعزل عن إرادة الشعوب وقواها الوطنية الحقيقية .

Ibrahemibrach1@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد