الحراك الشبابي الفلسطيني، مازال موضع تعليق وتحليل في وسائل الاعلام الفلسطينية بشكل عام، حيث تناوله رواد الاعلام الجديد بإعجاب شديد، حتى أن بعضهم ذهب في تحليله إلى حد القول إن الحركة الشبابية قد ولدت من جديد، وإنها تخلصت من أمراضها ومشاكلها، وإن هذا الحراك في غزة فتح لها صفحة جديدة سوف تلاحظ تداعياتها في الأيام القادمة.
مع تواصل أزمة انقطاع التيار الكهربائي في "محافظات قطاع غزة"، شهد الشارع الفلسطيني حراكاً شبابياً محدوداً للتأكيد على حق شعبنا في العيش الكريم في ظل الفقر والبطالة واستمرار الحصار وتعطيل الاعمار، مع تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي المتواصلة لفترات طويلة وما تشكله من إجحاف لأبسط حقوق المواطن على مدار أكثر من عشرة سنوات متواصلة.
هذا التململ في الوسط الشبابي الفلسطيني بعد أكثر من عشر سنوات على سيطرة حماس على قطاع غزة هو محاولة من هؤلاء الشباب للتعبير عن أنفسهم وأخذ دورهم الطليعي على صعيد هذه القضية وغيرها، فالشباب الفلسطيني يبادر في كل مناسبة ليكون له دوره المستقل والمميز في القضايا الوطنية، ويظهر استعداه للتضحية من أجلها. يبقى السؤال متى نشهد تفتح هذه الأزهار؟ سؤال مرتبطة الإجابة عنه بتطور الوضع الفلسطيني وبأي اتجاه.
الحراك الشبابي الفلسطيني في قطاع غزة ليس الأول من نوعه، ولكنه يأتي استمرارا لحالة من الحراك التي امتدت لأجيال وعقود عديدة منذ أن بزغت القضية الفلسطينية كقضية وطنية استقطبت اهتمام الشباب، حتى أصبحت ظاهرة متميزة في التاريخ الفلسطيني.
والحقيقة إن الحراك الشبابي الفلسطيني، الذي تفاوتت معدلات شدته وانتظامه وعناوينه خلال السنوات المختلفة، عكس على وجه الخصوص تشابك وتداخل العديد من العوامل كان في مقدمتها: انبثاق القضية الفلسطينية كقضية وطنية وقومية منذ أن وقعت فلسطين فريسة للدول الاستعمارية، وبدء محاولات هذه الدول لاسترضاء اليهود وكسب ودهم، مرورا بإقامة دولة الكيان الصهيوني وما تبع ذلك من احتلال إسرائيلي لجميع الأراضي الفلسطينية، وانتهاء بتوقيع اتفاقيات أوسلو وما تمخض عنها من قيام السلطة الفلسطينية وما ترتب عليه من وجود حيز من الفراغ السياسي والتنظيمي ثم الانقسام الفلسطيني الداخلي بكل تبعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية..... الخ..
ولعل القراءة الأولية للحراك الشبابي الفلسطيني الذي انطلق مؤخرا من مخيم جباليا شمال قطاع غزة تظهر أنه غلب عليه طابع العفوية أكثر من التأطير والتنظيم الحزبي المنظم حيث أن المشاركين في هذا الحراك لونوه بميولهم السياسية والأيديولوجية أي الشباب وانتماءاتهم التنظيمية والفكرية المتعددة، هو ما يجعله كأزهار الربيع متعددة الألوان والأشكال، وهذا يدلل على شمولية هذا الحراك، وحالة اليأس والإحباط التي تسود الشارع الفلسطيني، مما سجل هذه الحالة من الحراك وبهذا الزخم لأول مرة في ظل حكم حماس للقطاع.
ولقد دلل تحرك الشباب الفلسطيني بغزة على أن للشباب دورا أساسيا في إنضاج عملية التغيير وتحمل أعبائها بعيدا عن المؤثرات الخارجية، مع التأكيد على أهمية هذه المؤثرات والدور الذي قد تؤديه، وعدم الجنوح إلى نظرية المؤامرة – كما حدث مؤخرا في الحراك الشبابي بغزة.
إن الحراك الشبابي والذي برز فلسطينياً من جديد في غزة في ظل الانقسام البغيض ليس مقطوع الجذور، بل هو يأتي ضمن سلسلة من التحركات المؤثرة التي قادها الشباب الفلسطيني خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي وقبله سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد النقابي والمطلبي العام.
ولعل من أبرز محطات الحراك الشبابي الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، انخراط الشباب الفلسطيني في الثورات منذ مطلع القرن الماضي ضد المحاولات الاستعمارية المختلفة، ومقاومتهم جنبا الى جنب مع الشرائح الاجتماعية المختلفة للانتداب البريطاني والهجرة الصهيونية الى فلسطين، حيث يسجل التاريخ الفلسطيني صفحات ناصعة لهذا الحراك، والتضحيات التي قدمت على مذبح الحرية والحفاظ على الأرض الفلسطينية.
وتمثلت المحطات الأبرز في الحراك الشبابي الفلسطيني داخل الوطن وخارجه فيما قام به الشباب الواعي في بث بذور الوعي الوطني، وقيادتهم للثورة الفلسطينية المعاصرة، حيث كان ذلك إيذانا بانطلاق وقيادة الشباب للنضال الوطني داخلياً وخارجياً، وما تبع ذلك من ظهور فصائل العمل الوطني، وعلى رأسها حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح: وفصائل منظمة التحرير الأخرى خاصة الحزب الشيوعي الفلسطيني والجبهتين الشعبية والديمقراطية وغيرها من الفصائل خاصة تلك التي انضوت تحت إطار م.ت.ف.
وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي ازداد زخم الحراك الشبابي حيث انخرط الكثيرون منهم في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وكان لفصائل اليسار الفلسطيني دوراً كبيرا في هذا الحراك.
ولا شك أن التغيرات السياسية والويلات التي مر بها الشعب الفلسطيني بعد الاحتلال الاسرائيلي للقدس والضفة الغربية وقطاع غزة جعلت الشعور الوطني يتنامي لدى الشباب الفلسطينيين نحو مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض ومساعدة الشعب في ممارسة حياته. فبدأ الحراك الشبابي يتمثل في لجان العمل التطوعي في الأراضي الفلسطينية لتحقيق الوجود الفلسطيني على الأراضي المحتلة. وكان لهذه اللجان دوراً فعالاً نحو تعزيز العمل التطوعي كأحد أهم أشكال العمل المجتمعي في مقاومة الاحتلال. وكانت أنشطة هذه اللجان تتركز في تنظيم فعاليات كمساعدة المزارعين في قطف الزيتون وزراعة الأشجار وحملات النظافة في المدن والقرى وتنظيم المعسكرات الشبابية والتطوعية، فمن خلال هذا تشكلت حلقة اتصال بين الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الخط الخضر، وبدأت تظهر رموز الحركة الشبابية في فلسطين.
وفي فترة الانتفاضة الأولى عام 1987 لعب الشباب دوراً رئيساً فيها والتي شكلت نقلة نوعية لدى الشباب الفلسطيني ليس على مستوى الحس والوعي الوطني فحسب، بل على مستوى الدور المجتمعي الذي لعبوه خلال هذه الفترة حينما ترجموا ولائهم وانتمائهم الوطني لواقع عملي ملموس في خدمة القضية كأرض وشعب، فأخذ دورهم يبرز بكل قوة في الشارع الفلسطيني، وأصبحوا هم قادة الشارع يقررون الكثير من القرارات التي تحدد مساره، فشكلوا اللجان الشعبية والشبابية في القرى والمدن والمخيمات، كما قاموا بتنظيم الفعاليات المختلفة. وكان للجامعات والكليات الفلسطينية دوراً كبيراً في هذه الفعاليات، جامعة بيرزيت انموذجا فقد كانت مسرحاً للنشاط الوطني والاجتماعي، فلم تكن هذه الجامعات والكليات مجرد أماكن للدراسة، بل كانت خلية من النشاط والحركة والإبداع والمبادرة من خلال تنظيم الفعاليات الوطنية والمظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي، فقد قامت الأطر الطلابية ومجالس الطلبة بتنظيم المهرجانات الفنية والتراثية السنوية والفصلية وتنظيم العمل التطوعي في قطف الزيتون وكذلك إقامة المعارض الفنية والتراثية الفلسطينية وإحياء جميع المناسبات الوطنية.
وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية فى العام 1994، بدأت مرحلة جديدة من تاريخ الشعب الفلسطيني الذي بدأ يملك وللمرة الأولى السيطرة على جزء من أرضه، فمع قيام هذه السلطة كان للشباب نصيب من تشكيل هذه الوزارات حيث شٌكلت وزارة تعنى بالشباب والرياضة، ثم توالت الكثير من المجموعات الشبابية على إنشاء مؤسسات أهلية وشبابية تخدم الشباب بشكل خاص أو المجتمع بشكل عام، وكانت قيادة هذه المؤسسات من الشباب ، فمع قيام هذه المؤسسات وبزوغ اللبنة الأولى لرؤية قيام الدولة الفلسطينية قد أرتبط الجانب الاجتماعي والإنساني والخيري والاقتصادي والثقافي بالوضع السياسي في فلسطين.
ومع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، بدأ الحراك الشبابي في داخل فلسطين يظهر بكل جدارة وقوة في كل الميادين لمواجهه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اجتياحات وحصار ودمار وإغلاقات فقدم الشباب نموذجاً رائعةً مع بدايات هذه الانتفاضة في التكافل الاجتماعي والرفض لما يحدث على الساحة الفلسطينية وتنظيم الكثير من الفعاليات الشعبية لتوصيل الصورة للمجتمع العربي والدولي لما يحدث على الأراضي الفلسطينية، عدا عن تشكيل مجموعات طوارئ من الشباب لتقديم المساعدات الإنسانية والخيرية للمجتمع، ومروراَ بالأحداث المتتالية لهذه الانتفاضة التي راح ضحيتها آلاف الشباب من شهداء وجرحي ومعتقلين . وتتضح أهمية الحراك الشبابي في فلسطين من خلال تقديمه القيادات الشبابية في المجتمع الفلسطيني من طلاب الجامعات والمعاهد والجمعيات والمؤسسات الأخرى التي كانت تقود العمل الوطني.
وفي الخارج كان هناك حراكا شبابيا آخر، حيث شهد الشارع الفلسطيني في سوريا حراكاً واسعاً مؤيداً وداعماً لها، فبادر الشباب لتشكيل لجان لتقديم المساعدة لأهلهم في الضفة وقطاع غزة، فجمعوا التبرعات وتبرعوا بالدم ...الخ، وكانوا في مقدمة المظاهرات التي خرجت في مختلف المخيمات في سوريا، واعتصموا في مبنى الأمم المتحدة بدمشق وأضربوا عن الطعام. وشارك الشباب بفاعليه في هذا الحراك من مختلف الاتجاهات السياسية، وهو الأول من نوعه منذ خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من دمشق عام 1983، وقد تميز أولاً بالربط ما بين دعمه للانتفاضة ودفاعه عن حق العودة، وثانياً برفضه لاتفاق أوسلو وموقفه النقدي للنهج السياسي للقيادات الفلسطينية، خاصة تلك التي أيدت اتفاق أوسلو.
وبتراجع الانتفاضة الثانية تراجع الحراك الشبابي الذي واكبها، وكانت السبب المباشر له، ومع انتهائها استمرت بعض تشكيلاته المستقلة تحت عنوان الدفاع عن حق العودة، وكلجان لهذه الغاية، لكن لم يستطع معظمها الاستمرار والمحافظة على دور فاعل لها على هذا الصعيد، كما كان الحال في دعم الانتفاضة.
وهناك العديد من المحطات البارزة في الحراك الشباب الفلسطيني مثل مسيرة العودة حيث نشطت مجموعات شبابية فلسطينية من مختلف مناطق التواجد الفلسطيني للشروع بمسيرة باتجاه حدود فلسطين الـ48، مستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي فيما بينها، كأدوات تواصل وإعلان، وقد انضم العديد من الشباب الفلسطيني في سوريا لهذا النشاط.
وكان الحراك الشبابي الفلسطيني الذي انطلق في آذار 2011 متزامنا مع الحراكات الشبابية في بعض الدول العربية - حيث كانت مسألة إنهاء الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني تتصدر جدول أعمال القوى الشبابية في بواكيرها. وقد التقت جهود المنظمات الشبابية الفلسطينية في أكثر من موقع آنذاك على شعار «إنهاء الانقسام الفلسطيني». إلا ان العناوين المتعددة تحت سقف ما بات يعرف بالحراك الشبابي تعكس وجود حالة الاختلاف على مضمون الحراك بالرغم من الاتفاق الواسع على الأهداف. ولا ينبغي للانطباع السائد بوجود حراك أن يخفي الواقع القائم بأن هناك حضورا (وإن تفاوتت قوته) لعدد من التجمعات الشبابية، الأمر الذي انعكس على القدرة التنظيمية للحراك الشبابي الفلسطيني كحالة اجتماعية - سياسية.
وبالرغم من دور الشباب الفلسطيني وأهمية الحراك الذي يقومون به الا أنه يلاحظ أن نسبة كبيرة من الشباب الفلسطيني لا تزال غائبة أو مغيبة عن نشاط الحراك الشبابي على الرغم من القناعة السائدة في أوساط الشباب الفلسطيني بقدرته القيادية وإمكاناته لإحداث التغيير.
ويشكل إحجام أغلبية الشبان عن المشاركة الفاعلة في الحياة السياسة والشأن العام عقبة عنيدة أمام تطور القدرات التنظيمية والتعبوية للحراك. حيث تتفاقم هذه المشكلة بفعل غياب الإحساس الجمعي بوحدة الهدف وتماسك الرؤية الاستراتيجية وفاعلية الأدوات التي ميزت الانتفاضة الفلسطينية الأولى. كما لم يتمكن الحراك حتى الآن من امتلاك زمام المبادرة، بخاصة في ظل تشعب وتنوع المهمات واختلاط الأولويات، وهو أمر وثيق الصلة بالطبيعة التنظيمية الرخوة، إن لم نقل المفككة للحراك والنظر إليه كحراكات.
وبالرغم من أن حراك الشباب الفلسطيني نجح بتحويل الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني إلى قضية رأي فلسطيني عام، عوضا عن كونها مسألة نخبوية فصائلية مغلقة الا إن تلازم حالة الانقسام مع عمليات القمع السياسي والانقضاض على الحريات باسم الحفاظ على شرعية طرفي الانقسام أنتج متلازمة مقابلة ترى في تجاوز الانقسام مطلبا مسبقا لإطلاق طاقات الشباب الفلسطيني واستعادة السمة الديمقراطية للنضال الوطني الفلسطيني.
ولعل تقويم سريع للحراك الشبابي الفلسطيني، مع التوقف عند نقاط القوة ونقاط الضعف التي وسمته، يتضح الأتي:
في نقاط القوة: - في مواجهة التكلس المجتمعي ، كانت لفعاليات هذا الحراك السلمى أن تؤدي إلى كسر حاجز الخوف وإلى صحوة عارمة لدى مختلف الشرائح المجتمعية، وليتبدى ذلك في التعاطف الشعبي الواسع مع الحراك.
شكل الحراك الشبابى حركة عابرة وسريعة لمعظم مناطق قطاع غزة بعيدا عن التحزب الضيق، وكانت الغلبة للطابع المطلبي الجامع.-حيث شكلت الشرائح الشبابية، ولا سيما طلاب الجامعات، العمود الفقري للتحرك، مع حضور وازن للحركة العمالية .
في نقاط الضعف:- افتقار الحراك الشبابى إلى هيكلية تنظيمية وإلى قيادة موحدة، وعدم التفاهم على أجندة عمل، تتحدد فيها المطالب، وفق الاولويات، مما أدى إلى عشوائية المطالب.
الافتقار إلى برنامج عمل لدى أكثر المنضوين إلى الحراك، ولا سيما قياداته، إذ ينقص هذه الكوادر الشابة بغالبيتها، التشكيل الفكري والسياسي الكافي، ناهيك عن الخبرة في إطار العمل العام ومنعرجاته. وقد أفضى ذلك إلى ضبابية في الطروحات، وإلى التردد في العديد من المواقف، وبما يصل إلى حد التناقض بين رؤية فريق وآخر خاصة قضايا الانقسام الفلسطيني.
عدم اعتماد خطة للتحرك العملي واضحة المعالم، مما وسم التحرك أحيانا بالارتباك، ولا سيما لجهة انتقاء الأهداف التي يتم التوجه إليها و مثال حراك 15 أذار ليس بعيدا عنا.
الأمنيات شيء، وواقع الحال شيء آخر، والتحليل الموضوعي لظروف هذا الحراك في غزة لا يتحدث عن ولادة جديدة بل عن أوضاع معينة ذات خصوصية فرضت نفسها في تلك اللحظة.
ان الشباب الفلسطيني هم الامل الذي نتطلع اليه لإحداث التغييرات المطلوبة على مختلف المستويات السياسية والفكرية والعلمية وبما يخدم قضيتنا والنضال من اجل الحقوق الوطنية. وهو مطالب اليوم ايضا بمواصلة ضغطه السياسي والشعبي لإنهاء الانقسام والمساهمة في اعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على اسس تضمن مشاركة الجميع في صنع القرار وفي مقدمتها العنصر الشبابي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية