2014/09/18
180-TRIAL-
من لم يمت بصاروخ مات بغيره تعددت الأسباب، ولكن الموت ليس واحداً، كما قال خطأ الشاعر القديم. من قضى شهيداً يدفع العدوان عن دينه، وعن وطنه وأهله، غير من قضى على الفراش. وإن تَقدُم الصفوف وخوض غمار الحرب لا يعجل أجلا ولا يؤخره، فلا نامت أعين الجبناء كما قال خالد بن الوليد رحمه الله.
في القتال كراهة مؤكدة، وفيه مظنة خير مؤكدة أيضا، قال تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .( لقد حسب بعض شباب فلسطين أن في الهجرة الى البلاد الأوروبية عبر البحر خيرا، ومنجاة لهم من ضيق العيش ، وسطوة الحصار، فجاء ما حسبوه شرا فقضوا غرقا رحمهم الله جميعا.
ثمة مسئولية شخصية تقع على الأفراد بحكم الخطأ في الاختيار، ولكن ثمة مسئولية أكبر تقع على ولاة الأمر ممن أهملوا جيل الشباب، وحرموهم المشاركة الحقيقية في إدارة الوطن، واستأثروا دونهم بالقرار وبالمال، ولم يعالجوا مشاكلهم المتراكمة، كالبطالة والزواج والمسكن، وتركوهم نهباً لسطوة الفكر الاستشراقي، والعلماني الشرس.
لست أدري كيف أصبحنا بعيد الحرب ، فداست أقدام شبابنا على لغم ( الهجرة) إلى أوروبا؟! من فجر هذا اللغم الخطير في هذا التوقيت؟ ولماذا؟! هل ثمة أطراف خفية أعدت هذا اللغم إعدادا جيدا؟! أم أن الحصار والحرب ، والإحباط هي المسئول عن تفجير هذا اللغم الكامن في نفوس الشباب منذ سنوات؟!
ما حدث فجأة لا يحمل صك براءة، لذا وجب على أصحاب القرار تتبعه، وتقييمه، ومعالجة أسبابه، فربما تقف خلفه قوى لا تريد بفلسطين وشبابها خيرا، وتريد أن تضرب مقاومة الشعب الفلسطيني في مقتل. الأمر ليس عاديا، وأحسب أن الغرق المأساوي هو الذي كشف عن هذا اللغم الكبير، في هذا التوقيت المريب، ولولا الغرق لظلت الأصابع الخفية تعبث بمستقبل شبابنا.
من أغرى الشباب؟ ومن ضللهم ؟ ومن رسم لهم صورة وردية عن بلاد أوروبا القاسية الظالمة؟ من أركبهم هذه السفن المتهالكة؟!، من تعمد إغراقهم قبل الوصول الى شواطئ صقليا وإيطاليا؟! هذه مجموعة من الأسئلة المتوالدة ذاتيا جديرة أن تسألها لجنة تقصي حقائق، لمعرفة الحقيقة، ومن ثمة معرفة المسئوليات بشفافية، والبحث عن حلول عملية للحفاظ على الشباب بصفتهم قوة المجتمع، وبناة مستقبله.
فلسطين أرض الرباط والشهادة جلّابة للشباب ، وليست طاردة لهم، لما في الرباط والشهادة من خير لا يعلمه إلا الله. وإن ما نعلمه عنه من الأحاديث النبوية، والتفسيرات القرآنية كاف لكي نتشبث بفلسطين محيانا ومماتنا، ومن ثمة يحسد أهل فلسطين، أهل الرباط والشهادة، خلقٌ من المؤمنين كثيرون، ولكنهم لا يملكون القدرة على الدخول الى فلسطين التي بارك الله فيها، وبارك أهلها، وجعلها ملتقى الأنبياء ، وأرض المحشر والمنشر.
ماذا حصل؟! لماذا استبدل شبابنا الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! من أغراهم ولعب في ثقافة المجتمع في ظروف العسرة القاسية؟! القضية تستحق المتابعة، والإجابة عن الأسئلة. إن على قادة المجتمع كل في مجال تخصصه مسئولية كبيرة لمقاربة الحلول اللازمة، بالسرعة اللازمة، والجرأة اللازمة. 219
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية