غزة / سوا/ نتحدث عن الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وبتنا نصب جم غضبنا على المهاجرين غير الشرعيين، وهل هي ظاهرة ام حالة عابرة، فما هو الشرعي في حياتنا، كل شيئ اصبح غير شرعي، رئيس غير شرعي وحكومة غير شرعية ومجلس وطني غير شرعي ومنتهي الصلاحية ولجنة تنفيذية لم تعد قادرة على أن تكون شرعية، و مجلس تشريعي يدعي انه شرعي، وخطط سياسية وبرامج سياسية مختلفة غير شرعية، ولم تحصل على موافقة ورضا الناس، واحتلال قاسي وهمجي غير شرعي، وعدوان غير شرعي، شرعه العالم بالغطاء الشرعي وصمته على المذبحة المستمرة في قطاع غزة.

حالنا في القطاع مخيف ومهين، وربما يكون وجودنا و إقامتنا فيه غير شرعية، يموت الناس غضباً و كمداً و قصفاً و غرقاُ في لجوء جديد، أنه ليس نقص في الشرعية وحقنا في البقاء على قيد الحياة والبحث عن الامن والطمأنينة والمستقبل الواعد وليس نقص في الغذاء والملبس، انه الظلم وغياب الحرية و الكرامة والعدل والرحمة والاهتمام، والمسؤولية الاخلاقية منا قبل غيرنا. يموت إخوتنا غرقاً قبل ان يكونوا اخوتنا في البشرية، هم من لحمنا ودمنا، لم تختلف الوانهم وبشرتهم عنا هم منا، كنا وما زلنا نتضامن مع كل المظلومين و الغرقى و الجوعي والفقراء في العالم، وإن اختلفت ألوانهم وجنسياتهم وهوياتهم، نحزن لظلمهم ونتضامن معهم، ونحاول مد يد العون لهم، فنحن المظلومين نمقت الظلم وغياب العدل والعدالة.

هجرتنا ليست بعداً مزمناً، انما قصوراً وغياب المسؤولية القانونية و الاخلاقية والإنسانية من المسؤولين وفقدان الامل، قتلنا في العدوان المستمر و جرائم ارتكبتها آلة الوحشية الاسرائيلية، لم يمت منها الناس ضعفاً بل لأنهم تركوا وحدهم من أخوتهم في العروبة والدم، هم صمدوا ولم ينكسروا، ويهاجر بعض منا ليس جوعاً وفقراً إنما ظلما وغدراً، وموتهم في البحر غير مرتبط بأنواع الطعام والحرمان من الحق في الغذاء، هو حالة انكار لإنسانيتهم وحقهم في الحياة، ومنع وكبت حرياتهم ولعبة السياسة القذرة.

نوهم انفسنا بان القيادة قادرة على وضع حد لحفظ كرامة الناس والسرعة في إيواء النازحين والبدء بعملية الاعمار، والبحث في أفاق الغد الذي اصبح بعيد، والعمل على تحييدهم وزجهم بالخلافات السياسية، و تحميل طرف بعينه المسؤولية عن ما يجري وما جرى من عدم اتمام المصالحة وعمل حكومة الوفاق التي لم تعمل على تجسيد الوحدة الوطنية بشكل حقيقي.

منذ وقف العدوان اصيب الناس بالحزن والكآبة واليأس من كم التصريحات والاتهامات ومقولة ان لن يتم الاعمار إلا عبر السلطة، ومن يمانع ان تكون السلطة؟ غزة محاصرة وتقصف منذ زمن بعيد وقيدت حركتها اكثر منذ ثماني سنوات، وتراكمت المآسي والمصائب والكوارث ويتجدد الألم يومياً، كي نتأمل في هذا الزمن الذي حول حياتنا الى ذكريات وذاكرة وكل ذاكرة أشد قسوة، لم يعد متسع للغضب والحزن والوجع والألم.

كشف العدوان لعبة الخلافات السياسية والعلاقات الاخوية والهوة بينهم والاستبداد في الرأي والرؤية، توقع الناس ان يكون الوفاق والاتفاق لكنهم ما لبثوا ان ارتدوا للحزن والكآبة، ولغة الانقسام و المحاصصة والارتماء في حضن الاخرين. عندما تتحول جريمة حصار غزة الى صمت ويعجز المجتمع عن التسامي على الجراح، وعن معالجة ألامه و أمراضه وخطاياه تستمر المأساة. المأساوي في اننا نغرق، والجرائم ماثلة امامنا والخراب والدمار، و يحيط بنا الصمت من هول المذابح ولم يعد بمقدورنا التخلص منها، هذه المرة مختلفة، الصمت يحول دمنا الى عجز مقيم ونسير الى الهاوية، ولم نتعلم من ذاكرة التاريخ ومآسينا السابقة.

ما زلنا ننتظر من القيادة التدخل بجدية، فما يجري يدفع للخيبة وعدم الثقة بالقيادة وتصديقها، كل هذا الموت والحصار، وما نشاهده ونقرأ عنه في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي يوميا، ونداءات الاستغاثة، هل يجب علينا الانتظار حتى نشاهد غرقى جدد بين صفوفنا؟ هل يجوز كل هذا الصمت الرهيب والمريب، وهذه المشاهد من الدمار والخراب التي تدمي القلوب، وكأن هذا لا يجري امام اعيننا، وفي بقعة جغرافية صغيرة، و كأنها مشاهد من فيلم سينمائي من العصور الغابرة.

غزة ما أبشع ما نرى، مهاجرون يموتون غرقاً، نازحون ومشردون يتسولون ولم يجدوا خيمة تأويهم، ومدارس لم تعد تستوعبهم ومنا من يطالبهم بالرحيل عنها فوراً، و برود اعصاب المسؤولين، ما يجري رهيب، لن يداوي جروحنا غيرنا لأنه جرحنا، وما زلنا نقول هجرة غير شرعية، ونحن نسحب من انفسنا الشرعية.

 Mustafamm2001@yahoo.com
 mustaf2.wordpress.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد