لا شك في أن ما فعلته فرنسا في اجتماعها السابق، تمهيداً للمؤتمر الدولي اللاحق الذي دعت له، وسيلتئم في منتصف الشهر الجاري كانون الثاني 2017، في باريس، والمهتم بالبحث عن فرص تحقيق تسوية واقعية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أرض فلسطين، لا شك في أنه إضافة تراكمية إلى سلسلة من الإجراءات والسياسات المتتابعة التي يصنعها المجتمع الدولي، ويصوغها وفق مفاهيمه، ووفق موازين القوى الإقليمية والدولية، ووفق التطور الذي آل إليه موقف المجتمع الدولي، على الطريق التدريجي المتعدد المراحل الذي رضى به المجلس الوطني الفلسطيني وصاغ سياساته منذ العام 1974، لاستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني وفق قرارات الأمم المتحدة، خاصة القرار 181 بإقامة الدولة الفلسطينية، والقرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي طردوا منها العام 1948، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.
مؤتمر باريس، خطوة إيجابية تُضاف إلى سلسلة الخطوات النوعية التدريجية التراكمية لصالح فلسطين، وبما يتعارض مع مصالح ومواقف وسياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بدءاً من قرار الجمعية العامة يوم 29/11/2012، بقبول دولة فلسطين عضو مراقب، وقبول "اليونيسكو" عضوية فلسطين، وقراراتها بشأن القدس والمسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، وقرار مجلس الأمن 2334، الصادر يوم 23/12/2016 ضد الاستيطان وعدم شرعيته، وخطاب جون كيري بشأن الدولتين يوم 30/12/2016، ما يدلل على ما يلي:
- نجاح الدبلوماسية الفلسطينية في اختراق حائط الصد الدولي وتحقيق نجاحات في هذا المسار الدولي لصالح القضية الفلسطينية، رغم النفوذ الإسرائيلي الأميركي.
- تأكيد عدالة القضية الفلسطينية أساساً، وعدالة مطالبها وقانونية عملها، وتفهم إدارتها لمتطلبات المجتمع الدولي وفق السياسات والموازين والمناخ السائد.
- إشارة واضحة إلى تراجع تدريجي من قبل المجتمع الدولي في توليد وقيام ودعم المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين، بدلالة عمليات التصويت الدولي سواء في الجمعية العامة يوم 29/11/2012، 138 دولة لصالح فلسطين مقابل 9 دول فقط، والتصويت في مجلس الأمن يوم 23/12/2016، 15 بما فيهم فرنسا وبريطانيا مقابل امتناع الولايات المتحدة التي لم تستعمل حق النقض الفيتو، وكذلك التصويت في "اليونيسكو"، ما يؤكد أن التراجع التدريجي في السياسة الدولية عن دعم المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي حقيقي ومادي وراسخ، مقابل أن الدعم والتأييد في السياسة الدولية يتقدم تدريجياً بثبات ووضوح لصالح المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني.
وعليه فإن حصيلة هذا التطور يحتاج لوضوح برنامج عمل وخارطة طريق تهدفان إلى إعادة تثقيف المجتمع الإسرائيلي وتطوير مفاهيمه لتتسق مع قيم العصر، وقوانين الشرعية الدولية، والتوافق مع بقاء ووجود الشعب العربي الفلسطيني على أرضه، والتكيف معه، كما حصل مع غزاة المهاجرين الأوروبيين لجنوب إفريقيا، الذي وصلوا إلى قناعة بعدم إمكانية تحكمهم في المجتمع الإفريقي عبر الأدوات والإجراءات والسياسات العنصرية، وأنه لا بديل سوى المساواة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، وهذا ما هو مطلوب أن يفهمه المجتمع الإسرائيلي وأن يتكيف معه، لأن سياساته العنصرية نحو الفلسطينيين العرب من مسلمين ومسيحيين ودروز أصحاب الأرض وأهل البلاد تسبب لهم المزيد من الوجع والعذاب المشترك، وأن طريق الخلاص مما هم فيه، ومما هم عليه، هو التفاهم مع الشعب الفلسطيني، والانصياع إلى قيم العصر وقرارات الأمم المتحدة 181 و194، والتعايش وبروز قيم الشراكة الإسرائيلية مع الشعب العربي الفلسطيني.
المجتمع الإسرائيلي بحاجة إلى أدوات اختراق، وإعادة تثقيف، ودعوة ممثليهم إلى اجتماعات ومؤتمرات دولية في أوروبا وأميركا لأكثر من سبب:
أولاً: لأنهم من نتاج الثقافة الأوروبية، فمن المفترض أن يفهموا مع الأوروبيين والأميركيين على بعضهم البعض.
ثانياً: لأن الفضل يعود للأوروبيين في صنع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض بلادنا في فلسطين، فالذي صنع إسرائيل، هي بريطانيا في قراراتها، وفرنسا عبر سلاحها، وألمانيا من خلال دعمها المالي، قبل أن تتولى الولايات المتحدة المهام الثلاث دعماً وتأييداً وحماية، ومن هنا يجب توظيف الفضل الأوروبي الأميركي لدعم "تل أبيب" على أن هذا الدعم والتأييد ليس شيكاً مفتوحاً على بياض وسيستمر إلى الأبد، لأن موازين القوى الدولية بصعود مكانة روسيا، وأوروبا، والصين، وصعود مكانة تركيا وإيران إقليمياً عوامل مهمة في تغيير المعطيات الدولية والإقليمية، وانعكاساتها على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى نتائجه، وهي ليست في صالح المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على المستوى المتوسط والبعيد.
ثالثاً: التسليم بالفشل لأن سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وإجراءاته بطرد نصف الشعب الفلسطيني وتهجيره وجعل أرضه طاردة لأهلها وأصحابها، لم تعط البرنامج كامل نجاحه، بعد احتلال كل أرض فلسطين، حيث بقي نصف الشعب الفلسطيني على كامل أرضه سواء في مناطق 48 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، أو في مناطق 67 في الضفة والقدس والقطاع، وتجاوز الستة ملايين نسمة، ما يعطي الدلالة الرقمية والواقعية والحسية والملموسة بوجود شعبين متعادلين ديموغرافياً وسكانياً على الأرض الواحدة.
لا مجال لهم بعد سنوات طويلة من الصراع الدامي، لتصفية واجتثاث وإنهاء ونزع أحدهما من هذه الأرض الواحدة التي تسمى فلسطين وبقيت اسمها فلسطين وستعود لتكون تسميتها فلسطين، يعيش عليها شعبان لا مجال أمامهما سوى التفاهم والشراكة والعيش المشترك، بدولة واحدة ثنائية القومية متعددة الديانات على قاعدة تقاسم السلطة وفق نتائج صناديق الاقتراع، أو على قاعدة تقاسم الأرض بدولتين متجاورتين على أساس قرارات الأمم المتحدة.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية