يعالج هذا المقال، بنوع من التبسيط القانوني، ثلاث إشكاليات، تطرح في إذهان المتابعين والمختصين بشأن تبني مجلس الامن لقرار أدانة للاستيطان الإسرائيلي، وهي: إشكالية  تأثير امتناع أمريكا عن التصويت لمصلحة القرار، و إشكالية تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع، وأخيراً إشكالية الطبيعة القانونية للقرار، فهل هو قرار فعلي أم مجرد توصية، سوف نعالج هذه الإشكاليات ميزان القانون الدولي وخاصة ميثاق الامم المتحدة، وأجماع أراء فقهاء القانون الدولي.

تابعنا جميعا تبني ، مجلس الأمن الدولي -  مساء اليوم الجمعة الموافق 23 ديسمبر 2016 - بأغلبية معتبرة مشروع قرار ضد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وقد كانت كلا من السينغال وماليزيا وفنزويلا ونيوزلندا قد تقدمت بهذا بمشروع قرار لإدانة الاستيطان الإسرائيلي لمجلس الأمن الدولي، بعد ما أعلن عبر الوكالات الاخبارية سحب جمهورية مصر العربية لمشروع القرار من التداول.

صوت 14 عضوا في مجلس الأمن الدولي، على مشروع القرار وتم تبنيه، فيما أمتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (فيتو) لصالح إسرائيل، في ترسيخ فيما يبدو  لسياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي بارك أوباما، حيث لم  يسمح بتمرير أي قرار للمناقشة والعرض على مجلس الامن، وبالتالي لم يكن مضطر لاستخدم حق النقض الفيتو ، فيما منذ تأسيس الأمم المتحدة استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية 30 مرة حق النقض الفيتو لإجهاض قرار إدانة لدولة الاحتلال الحربي الإسرائيلي.

وللتوضيح، لا يعتبر هذا القرار الاول من نوعه، بل سبقة العديد من القرارات الأممية التي تدين الاستيطان منها ثلاث قرارات صدرت عن مجلس الأمن مرت بدون استخدام الحق النقض " الفيتو " من بينها، قرار مجلس الأمن رقم 446 لسنة 19799الذي أكد على أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية غير شرعي. قرار مجلس الأمن رقم 452 لسنة 19799الذي أكد على أهمية وقف الاستيطان حتى في القدس وبعدم الاعتراف بضمها، وقرار مجلس الأمن رقم 465 لسنة 19800 الذي دعا القرار إلى تفكيك المستوطنات.

المدقق في الطبيعة القانونية لمشروع القرار، يجده يندرج في سياقين مختلفين، الأول باعتباره مسألة إجرائية، وتنحصر هذه المرحلة في مدي قبول المجلس أدراج مشروع القرار على جدول أعمال المجلس، ويتطلب ذلك موافقة تسعة أعضاء من الخمسة عشر عضواً في مجلس الامن، دون أي اعتبار للدول صاحبة الحق النقض.

وعقب انتهاء هذه المرحلة، وأثناء عملية التصويت،  ينظر لمشروع القرار لإدانة الاستيطان، باعتباره مسألة موضوعية، تندرج في إطار ما تعرف بــ " المسائل الموضوعية " التي وفقا للقانون الدولي تتطلب تأييد تسعة أصوات تضم الخمسة أعضاء الدائمين.

حيث نصت المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة، على ما يلي: "-  يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد،  - تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه. - تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.

أكد فقهاء القانون الدولي وأهل الاختصاص، على أن اتفاق واضعي ميثاق الأمم المتحدة، على أنه لو صوت أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين بالسلب في مجلس الأمن المكون من 15 عضوا، لا تتم الموافقة على القرار أو المقرر. وإذا كان أحد الأعضاء الدائمين لا يتفق تماما مع القرار المقترح ولكنه لا يرغب في استخدام حق النقض، يجوز له الامتناع عن التصويت، مما يسمح باعتماد القرار إذا ما حصل على العدد المطلوب المكون من تسعة أصوات مؤيدة.

ما يوصلنا لنتيجة هامة، أن  حالة قرار مجلس الأمن الدولي، الاخير، الذي ادن الاستيطان الاسرائيلي، قرار معتمد في مجلس الأمن، وواجب التنفيذ، ما يجعله يكتسب أهمية خاصة، من جميع النواحي، القانونية، والسياسية، والميدانية.

وقد يسجل لهذا القرار باعتباره علامة انتصار من مجلس الأمن لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاثار غير القانونية والإنسانية لجريمة الاستيطان، وخاصة النقل الجبري للسكان والاستيلاء غير المشروع على اراضيهم، وايضا ضم أجزاء من الاقليم المحتل إلى دولة الاحتلال الحربي، في حالة وجد طريقة للتطبيق الفعلي، ولم يتوقف عند هذا الحد، وهنا الدور الاكبر يقع على الدبلوماسية الفلسطينية والعربية، وكذلك على الدول التي صوتت لمصلحة القرار، بما فيها الدول التي تقدمت بمشروع القرار.

طرح هنا سؤال محوري الأخر، كيف يمكن تنفيذ هذا القرار من الناحية القانونية، حيث نشير هنا إلى أن ميثاق الامم المتحدة قد أوجب على عاتق مجلس الأمن المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين.  ويأخذ المجلس زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلم أو عمل من أعمال العدوان. ويطلب إلى الدول الأطراف في النزاع تسويته بالطرق السلمية. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن اللجوء إلى فرض جزاءات وصولا إلى الأذن باستخدام القوة لصون السلم والأمن الدوليين وإعادتهما. ويقدم مجلس الأمن توصيته إلى الجمعية العامة في ما يتعلق بانتخاب الأمين العام وقبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة. كما أنه ينتخب، جنبا إلى جنب مع الجمعية العامة، القضاة في محكمة العدل الدولية.

وتفصيلا للموضوع، أن ميثاق الامم المتحدة قد أكد أنه في حال رفع أمر أي نزاع  لمجلس الأمن من قبل أطراف النزاع ويصبح الأمر تحت يده ففي هذه الحالة نجد أن الالتزام الأول الملقى على عاتق مجلس الأمن هو أن يفحص النزاع ليرى اذا كان استمراره يهدد الأمن والسلم الدولي فإذا انتهى الى ذلك فماذا بإمكانه ان يتخذ:  أن يعمد الى استخدام المادة (36) وبموجبها يوصي الدول بلزوم اتخاذ احدى الطرق السلمية لحل النزاع والاجراءات التي يراها ملائمة بحسب الأحوال بحيث يقدر مدى خطورة النزاع ويتخذ بشأنه ما يراه مناسبا.

ونجد هنا أن صلاحية مجلس الأمن تقتصر على اصدار توصيات، ولكن استطيع القول ان احتمال اصدار مجلس الأمن لقرار في مثل هذه الحالة يكون أكثر ورودا، والسبب في ذلك ان هذه المادة تفترض ان الدول فشلت في حل النزاع سلميا ولزم عليها عرض الأمر على مجلس الأمن، وطالما ان النزاع يهدد السلم والأمن الدولي بالتالي يستطيع مجلس الأمن ان يصدر قرار وليس توصية لأن الأمر اشد خطورة مما هو وارد في المادة (36) حسب ما تم تفسيره في قرار محكمة العدل الدولية.

الأمر الثاني أن المجلس يتخذ ما يراه ملائما من شروط لحل النزاع وهذا ايضا من خلال توصية ونجد ان الميثاق لم يحدد ما هي هذه الشروط وهذه الطريقة وبالتالي يترك لمجلس الأمن ذاته ان يتخذ ما يراه ملائما.

هذا، وقد نصت المادة (38) من الميثاق "لمجلس الأمن اذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك ان يقدم توصياته بقصد حل النزاع حلاً سلميا وذلك بدون اخلال بأحكام المواد من (33) الى (37(".ونجد المادة(38)يمكن اللجوء لها إذا لم تتوفر حالات المادتيين 36 و 37 كم الميثاق، حيث تفرض المادة 36  أن يقوم مجلس الأمن بذاته في أي مرحلة من مراحل النزاع بالتصدي له والايصاء بما يراه مناسبا من الحلول حسب الأحوال وضمن قيود سوف نشير لها لاحقا.

فيما نجد ان المادة (38) لم تشترط ان تكون الدول مسبقا قد لجأت الى الحلول السلمية حسب المادة (33) وانما قد لا تكون لجأت لذلك ومع هذا تعرض الأمر على مجلس الأمن طالبة حل النزاع على ابعد من ذلك لم يرد في المادة (38) ان الأمر او النزاع يكون مهدد للأمن والسلم الدوليين حيث انه للدول أطراف النزاع ذلك حتى ولو لم يكن الأمر مهدد للأمن والسلم الدوليين لأنه لو كان كذلك لوجب عليه التدخل من تلقاء نفسه.

المسألة الأخيرة، التي نتناولها هنا، هل تبني مشروع القرار، هو قرار فعلي أو مجرد توصية، وحقيقة هذ الامر يطرح العديد من الإشكاليات القانونية متعددة على طاولة البحث في هذا السياق، عموما، ولحين تكشف واطلاعنا على صيغة وطبيعة تبني المجلس لمشروع القرار لأخيرة، يجب المرور لفحص القيود المفروض على المجلس عند نظره أي نزاع دولي، فنجد نص المادة (36) عندما قد منحت مجلس الأمن صلاحية مقيده أن يصدر التوصيات التي يراها مناسبة في أي مرحلة من مراحل النزاع، في إطار  مجموعة من القيود، من بينها أنه لابد  أن يراعي مجلس الأمن الإجراءات السابقة التي اتخذتها أطراف النزاع، أن لا يناقش المجلس أي نزاعات ذات طابع قانوني، كونها تندرج في إطار  اختصاص محكمة العدل الدولية ولا يكون لمجلس الأمن أن يتصدى لها بأي حال من الأحوال إنما يوصي بإحالتها الى المحكمة وهذا من قبيل احترام الاختصاص بين أجهزة الأمم المتحدة.

وبالتالي ما يملكه مجلس الأمن اذا استخدم المادة (36) هو اصدار توصيات وهنا الدول حرة في قبولها او رفضها ولكن عادةً عندما ترفض الدول التوصيات فإنما تورد مبررات وأسانيد قانونية لرفضها لأن الرفض المجرد يسبب لها إحراج سياسي، وهذا في الغالب ما قد يحدث مع دولة الاحتلال لإنها حتما سوف ترفض نتيجة التصويت على بنتي المجلس لمشروع القرار.

هناك من يرى أن صلاحيات مجلس الأمن في الفصل السادس يقتصر الأمر على إصدار توصيات دوناً عن القرارات حيث أن القرارات قاصرة على ما ورد في الفصل السابع من الميثاق. وتجدر الإشارة أن القرارات هي عبارة عن عمل صادر ضمن منظمة دولية ويترتب عليها آثارا قانونية ملزمة. 

وهنا نجد أمام هذا الخلاف الفقهي حول صلاحية أو عدم صلاحية مجلس الأمن إصدار قرارات في إطار الفصل السادس أجابته محكمة العدل الدولية في قضية بناميبيا عام 1971. قررت فيه أن مجلس الأمن قادر على أن يخلع الصفة الملزمة على اية تصرف صادر منه يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين. 

وبناءً على ذلك نستطيع القول أن لمجلس الأمن إصدار قرارات بشأن حالة المادة (36) في أي مرحلة من مراحل النزاع طالما أن مجلس الأمن ذاته هو الذي يقرر مدى الحاجة الى اصدار قرار او توصية، بالتالي لا بد من اصدار قرارات عندما تكون هناك حاجة لذلك وإن لم يكن فيصدر توصية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد