2014/09/13
252-TRIAL-
لا شك بأن التأخر في دعوة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للذهاب إلى القاهرة، من أجل معاودة التفاوض غير المباشر على وقف دائم لإطلاق النار، يؤكد أن محاولة حركة حماس للظهور بشكل من حقق شيئاً من حرب عسكرية، إسرائيل بالأصل هي من فرضتها، ومن بادرت إلى شنها على قطاع غزة ، الذي كان يتلقى آلة الدمار الوحشية بلا حول ولا قوة، إنما قد تبددت أدراج الرياح، لدرجة انه يظهر بشكل واضح مدى سوء المراهنة، على احتمالات أن يحقق عدم الاستجابة لاقتراح وقف النار في الأيام الأولى، "مكاسب" سياسية لحماس أو لحلفائها الإقليميين، بما يوضح أن سوء التقدير السياسي، الذي يرافق الحركة، منذ وقت طويل، وربما يعتبر احد أوضح سماتها وملامحها، كان مدمرا، لأنه كان يمكن تجنب سقوط معظم الضحايا ومعظم الدمار، فقط لو أن "حماس" كانت أكثر حنكة وتعقلاً سياسياً ولو بقليل مما هي عليه.
تبدو الأطراف الأخرى، وليس الجانب الإسرائيلي، فقط أكثر حنكة من "حماس"، التي شعر قادتها بالأهمية على مدى خمسين يوما، بعد أن لفهم الغياب منذ نحو عام، لم يظهر خلاله لا مشعل ولا محمد نزال، لا أبو زهري، برهوم، المصري، ولا حتى الزهار، على أي فضائية أو وسيلة إعلام ولدرجة أن تساءل الكثيرون، قبل أشهر عن مكان إقامة مشعل ورفاقه، إلى أن تبين انه في الدوحة القطرية، يعقد المؤتمرات الصحافية، بمناسبة الحرب على غزة.
لقد ظهر أن الرئيس محمود عباس هو أكثر حرصاً على الدم الفلسطيني من حركة حماس، كما أظهرت جهود وقف النار، أن مصر احرص من قطر وتركيا على حياة الفلسطينيين، وبالنتيجة، ورغم أن مشعل اعتقد أن بيده قرار الحرب والسلم، وانه أمير "المقاومة" الذي يتحكم بمقاليدها، بل انه "قائد" الفلسطينيين الحقيقي، من وراء الكواليس، فيما أبو مازن مجرد صورة أو واجهة - ظهر ذلك جلياً في محضر اجتماع الرئيس ومشعل وأمير قطر، الشيخ تميم، الذي نشرته جريدة الأخبار اللبنانية - إلا أن أبو مازن ظهر كعنوان لوحدة الفلسطينيين، يقاتل من اجلهم ولا يقاتل بهم، كما يفعل قادة "حماس"، وكان وقف النار بمثابة انتصار لعباس ومصر، وليس لحماس ولا بأي حال.
طبعاً محاولة "حماس"، التعويض، أو اللحاق بالموجة، بعد أن هدأت هوجتها خلال الخمسين يوماً، من خلال عقد المهرجانات التي تدّعي تحقيقها الانتصار، لم تنجح أيضا، لأن الناس موجوعة وترى في "حماس" حركة خارج صفوف الشعب، أو على الأقل لا تحسب خسائرهم خسائر ذاتيه لها!
وقف النار، دون إضافة شيء مهم يبررها، على الصعيد السياسي، اظهر عبثيتها، وحيث أن الحديث عن مواصلة التفاوض بعد شهر قد "علق" مثل هذا الشعور، فإن عدم المسارعة إلى مواصلة التفاوض، يبدو أنه مقصود، بل وانه يجيء من باب التأكيد على عدم منح حركة حماس أي إشارة بكونها حققت شيئاً يذكر.
لا المعابر، بما فيها، معبر رفح فتحت فوراً، ولا الحكومة رضخت لمحاولة "حماس" وضع ألغامها الموقوتة في جيب أبو مازن، ونقصد بذلك رواتب موظفيها، بل على العكس من ذلك، ظهر الرئيس أكثر قوة ووضوحاً، حين أعلن في أكثر من مناسبة أن الكيل طفح به من "حماس"، وأنه قاب قوسين أو أدنى لإعلان فشل المصالحة معها، فيما كانت أوساط الحكومة تؤكد دون لبس ولا مراوغة عدم شرعية موظفي "حماس"، أصلاً.
إن استجداء "حماس" للمصالحة، كذلك استسلامها في قضية رواتب موظفيها، ودفع نصفها من خزينتها، يشير إلى أن شمس "حماس" قد غربت سريعا، وبأقل من شهر، تبددت عواصفها، وهدأت عقيرتها، وحيث إن كل ما لدى حماس هو وجودها في غزة، فإن هذا الوجود نفسه بات في مهب الريح، حيث انه يستند - فقط - إلى وجود عسكري، لم تعد تنطلي على أحد محاولة إلباسه ثوب "المقاومة" لاعتباره مقدساً ولتجنيبه المساءلة الشعبية والوطنية، في وقت لم تعد فيه الأنظمة قادرة على أن تحمي وجودها استناداً إلى القوة العسكرية فقط. أما الإعمار، فإنه معلق أيضا بطرف إصبع السلطة، ومن الواضح، أن اعتقاد حماس بقبول أبو مازن لسيادة شكلية على غزة، لم يكن صحيحاً، أو انه لم يعد كذلك بعد الحرب الإسرائيلية الثالثة، على غزة، التي جرت بتواطؤ مع حماس.
أوساط عديدة تقول إن مصر ستوجه الدعوة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتوجه للقاهرة يوم 25 الجاري، أي في اليوم الأخير من مدة الشهر المتفق عليها، فلم كان هذا؟ أقل ما يمكن أن يقال فيه، إنه تمت خديعة حماس الضعيفة بكل سهولة، وان مستقبل حماس المغاير لواقع إخوان مصر، لم يعد مؤكداً!.
يبدو أن الأمور تسير باتجاه "تحجيم" حماس إلى أبعد مدى ممكن، بحيث يمكن أن تعود كما كان حالها أواخر عام 1994، وطوال عام 1995 أي إلى ما قبل قيامها بالعمليات الاستشهادية في عمق إسرائيل.
ومن يدري، ربما لا يطول الوقت، الذي يبدأ فيه ترتيب كل شيء، بشكل مختلف، وبهدوء، بإعادة الحكومة الشرعية كسلطة حقيقية، ليس فقط على حدود قطاع غزة، ولكن في كل حي وشارع منه، بشكل تام، كامل وحقيقي.
Rajab22@hotmail.com 54
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية