بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اختياره لبعض رجالات إدارته الجديدة، لوحظ أن الاختيار يتم بناءً على مواقف محافظة ومتشددة لا توحي لنا بالتفاؤل فيما يتعلق بسياسته الخارجية، عدا عن السياسة الداخلية وخاصة تجاه المسلمين والمهاجرين وبعض المسائل التي تقود إلى تراجع في القيم الأميركية، وإن كانت وعوده بتخفيض الضرائب والالتفات للشؤون الداخلية وتقليل التورط الأميركي في الصراعات الخارجية تحظى بتأييد الرأي العام. وبالنسبة لنا كفلسطينيين لا يوجد ما يجعلنا نشعر بتغيير نحو الأفضل، خاصة على ضوء المواقف والوعود التي أطلقها لليهود وإسرائيل في خطابه في اجتماع اللوبي اليهودي «إيباك» من قبيل نقل السفارة الأميركية إلى القدس واتهام الفلسطينيين بالعنف والإرهاب واعتباره أن الاستيطان ليس مشكلة.
هناك من يعتقد أن علينا الانتظار ريثما يجلس ترامب في البيت الأبيض ويأخذ وقته لفحص الواقع وتقرير سياسته بناء على الدروس التي يتعلمها من الخبراء والمختصين في البيت الأبيض وفي مؤسسات صنع القرار في الولايات الأميركية، لأنه في نهاية المطاف سوف ينصاع لما تمليه مصالح واشنطن الإستراتيجية حتى لو كانت تتناقض مع وعوده الانتخابية. وهذا الرأي بالرغم من وجاهته إلا أنه قد يؤدي إلى خسارة فادحة فيما لو انتظرنا وكانت النتيجة أن ترامب التزم بجزء من وعوده، وخاصة التي أطلقها بشأن إسرائيل. إذن ماذا علينا أن نفعل غير الانتظار؟
في الواقع علينا أن نبدأ العمل في اليوم الأول لدخول ترامب إلى البيت الأبيض لضمان التأثير في سياسة الولايات المتحدة في عهده، وأول ما يمكننا القيام به هو البدء بسلسلة حوارات مع الإدارة الأميركية بشكل رسمي وغير رسمي، وهنا يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دوراً مهماً في توضيح مخاطر تخلي الولايات المتحدة عن سياستها الواضحة بشأن اعتبار كل الأراضي المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية أراضي فلسطينية وأن ما تقوم به إسرائيل في هذه المناطق مرفوض ومخالف للقانون والقرارات الدولية. فمثل هذا الموقف سيشجع إسرائيل على التنكر لمرجعيات العملية السياسية والأسس التي تقوم عليها التسوية الدائمة التي تنهي الصراع وتحقق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. كما يجب حث إدارة ترامب على لعب دور فاعل ومؤثر من أجل ضمان التوصل إلى الحل السلمي المنشود تحقيقاً لوعده بضرورة وضع حد للحرب الدائرة التي لا تنتهي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد تعبيره.
       ويمكن في هذا السياق التنسيق مع المنظمات اليهودية المؤيدة للسلام في الولايات المتحدة مثل منظمة «جي ستريت» التي تؤيد حل الدولتين وترفض تصريحات ترامب ووعوده المتطرفة. واليهود في أميركا مؤثرون بسبب دورهم الفاعل في المؤسسات الأميركية ولأنهم كذلك ناخبون يحاول الجميع استقطاب أصواتهم. بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني الأخرى وخاصة الحقوقية والتي تدافع عن قيم العدالة وحقوق الإنسان.
        وللتأثير في الموقف الأميركي لابد من الاستعانة بالدول العربية وهنا للرباعية العربية على وجه الخصوص دور مهم يمكن أن تؤديه بالتنسيق مع فلسطين لإفهام الإدارة الأميركية الجديدة أنها لا تستطيع التخلي عن «خارطة الطريق» والمبادرة العربية للسلام كمرجعية دولية مقرة في مجلس الأمن وتتبناها الولايات المتحدة باعتبارها مشروعاً أميركياً كذلك، ونحن في سبيل ذلك محتاجون لتطوير العلاقة والتنسيق مع الأشقاء لاعتماد موقف عربي موحد وضاغط على واشنطن.
        كما أننا بحاجة لصوت اليهود الإسرائيليين الذين ينبغي أن يظهروا موقفاً واضحاً لإدارة ترامب بأنهم يرون من مصلحة إسرائيل التوصل إلى تسوية سياسية عاجلة للصراع عل أساس حل الدولتين. وفي هذا الإطار يمكن أن توجه شخصيات ومنظمات إسرائيلية رسائل منفردة إلى البيت الأبيض أو رسائل مشتركة مع الفلسطينيين أو كليهما معاً. فالصوت الإسرائيلي لا بد وأن يؤثر على دائرة صناع القرار في واشنطن التي لا يعقل أن تكون إسرائيلية أكثر من الإسرائيليين أنفسهم خاصة من شخصيات لها دورها في الحاضر والماضي في الدفاع عن مصالح إسرائيل.
        والأمر المهم الآخر في سلسلة الأمور التي يتوجب القيام بها لدفع الإدارة الأميركية على لعب دور فاعل وبناء هو مواجهة المشروع الاستيطاني على الأرض من خلال تفعيل المقاومة الشعبية وتوسيع نطاقها. وكلما كانت سخونة الأوضاع الميدانية أكبر كلما دفع هذا الولايات المتحدة وأطرافا دولية أخرى للتدخل ولتحديد مواقفها مما يجري. 
        هذا كله لا يلغي التوجه الفلسطيني المتواصل من أجل الحصول على الاعتراف الدولي تمهيداً لقرارات دولية حازمة وضاغطة لإنهاء الاحتلال، وتحقيق حلم الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي دولة مستقلة ذات سيادة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرارات الشرعية الدولية. فخطوات مواظبة ومثابرة على الجبهة الدولية تحرج واشنطن وتدفعها للتدخل بدلاً من استمرار استخدام حق النقض في مجلس الأمن.
          ولكي نقوم بكل ما تقدم أو أية أجزاء منه لا بد من وضع خطة وطنية شاملة وتقسيم الأدوار في إطارها بين السلطة الرسمية والمجتمع المدني، وهذا يتطلب الإسراع بعقد مؤتمرات أو ندوات أو اجتماعات للتباحث في كيفية التعامل مع القادم الجديد إلى البيت الأبيض. صحيح أن الوضع الفلسطيني سيئ وأنه منذ فترة طويلة لا توجد نقاشات وحوارات جدية لتحديد السياسات الفلسطينية على مختلف المستويات، ولكن ربما يكون آن الأوان لمثل هذا الفعل الإيجابي لنغير واقعنا ولنؤثر في من حولنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد