عشرون عاما مضت على تخرجِ أولِ طالبِ صحافةٍ وإعلام من جامعاتِ ومعاهدِ الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة ، منذ نشأه أول قسم صحافة وإعلام في الجامعة الإسلامية بغزة في العام 1992 وتخرجت الدفعة الأولى في صيف عام1996م، تخللَ هذه الأعوامَ العشرين نشأةُ العديدِ من كلياتِ وأقسامِ الإعلامِ في جامعاتِ القطاع، حتى وصلَ العددُ الأخيرُ إلي 24 قسماً للإعلامِ والاتصالِ والتلفزيون في عدةِ جامعاتٍ ومعاهد.

4122 خريجاً من أقسامِ الصحافةِ والإعلامِ في الجامعاتِ الفلسطينيةِ هذا الرقمُ الكبيرُ كان حصيلةَ 20 عاما فقط، حيث تخرجت هذه الأعدادُ الكبيرةُ لتنظمَ إلي قوافلِ العملِ الإعلامي الفلسطيني والعربي والدولي، منهم من استطاع أن يطورَ من أدائه ومهاراتِه ليكونَ صحفيا حقيقيا ومنهم من ترك المهنةَ ولجأ إلي عملٍ آخر.

في غضونِ تلك السنواتِ لم يطرأْ التغييرُ الحقيقي على مساقاتِ التدريسِ في الجامعاتِ الفلسطينية فهي عبارةٌ عن مجموعةٍ من الكتبِ والدراساتِ القديمةِ التي لا تحملُ في طياتِها إلا الجانبَ النظري بعيدا عن التطورِ العملي في التدريسِ والتدريبِ والتعليم، مما وضع أقسام الصحافةِ في تلك الجامعاتِ تحت عدسةِ النقدِ الدائمِ والمستمر لعدم تطويرِ محتواها بما يتناسبُ مع التطورِ التكنولوجي في علمِ الاتصال.

خلال لقاءٍ حواري نظمته مؤسسةُ بيتِ الصحافةِ في غزةَ حول "واقعِ كليات وأقسامِ الصحافةِ والإعلام في جامعاتِ غزة" تم كشفُ الحقائقِ حول محتوى تلك الأقسامِ من رؤسائِها و واقعُها المتهرئُ والقديمُ هو سببُ عدمِ قدرتها على مواكبةِ التطورِ العلمي الحديث في تنويعِ أساليبِ التعليمِ والتدريب، وإن العديدَ من الكوادرِ العاملةِ في مجالِ الإعلامِ اليوم هي أصلا بحاجةٍ إلي دوراتٍ تدريبيةٍ من جديدٍ لصقلِ مهاراتِهم للنهوضِ بالواقعِ الأكاديمي في مجالِ الصحافة الفلسطينية، لقد احتدمَ النقاشُ داخلَ أروقةِ القاعةِ ما بين مدافعٍ ومهاجمٍ لسياساتِ الجامعاتِ ووزارةِ التربيةِ والتعليمِ ومعاييرِ القَبولِ في الجامعاتِ داخلَ أقسامِ الصحافة، حتى وصل الأمرُ إلي الاتفاقِ على أنه لا يوجدُ احتمالٌ لتطويرِ منظومةِ العملِ داخل أقسامِ الإعلامِ لأن السوقَ والتنافسَ ما بين الجامعاتِ على رسومِ الطالبِ هو الهدفُ الأسمى من وراءِ الدراسةِ وليس دون ذلك.

في نظرةٍ شموليةٍ على أقسامِ الصحافةِ والإعلامِ في الجامعاتِ الفلسطينيةِ لا تجدها تخرج عن إطارِ تدريس " الصحافة ،العلاقات العامة ، الإذاعة والتلفزيون "، وطوال العشرين عاما الماضية وهي تدورُ حول تلك التخصصاتِ دون النظرِ إلي تخصصاتٍ فرعيةٍ جديدةٍ في عالمِ الإعلامِ وأن الإعلامَ الالكتروني قد طرأ علية تغيرٌ وأن الإعلامَ التلفزيوني أصبح يحملٌ تخصصاتٍ عدة والصحافةُ بما تحتوي فيها المختصة والاستقصائية ، بخلاف ثورةِ الإعلامِ الجديد التي لم تجدْ لها مكانا حتى الآن بين مساقاتِ التدريس في الخططِ الأكاديميةِ للجامعاتِ الفلسطينية.

بالكادِ لا يجتمعُ رؤساءُ أقسامِ الإعلامِ في الجامعاتِ الفلسطينية إلا في ورشةِ عملٍ مختصةٍ تناقشُ قضيةً بعيدةً عن مجالِ عملِهم، ولكن أن تجدَ اجتماعاتٍ دوريةٍ من أجلِ تطويرِ المناهجِ ومساقاتِ التدريس فهذه معدومةٌ، ولا نكادُ نسمعُ عن خطةٍ لتوحيدِ مساقاتِ التعليمِ في مجالِ الإعلام، سواء برعايةِ وزارةِ التربية والتعليم أو برعايةِ مؤسساتٍ محليةٍ أو حتى الجامعاتِ نفسِها، لأن عمليةَ الاستقطابِ للطلابِ تكونُ هي الهدفُ الأسمى لكلِ قسمٍ في زيادةِ عددِ الملتحقين بأقسامِ الإعلامِ دون الالتفاتِ إلي كيفيةِ تدريبِهم أو توفيرِ  فرصِ تدريبٍ لهم في ظلِّ الحديثِ عن عددٍ يصلُ الي 500 خريجٍ سنويا من أقسامِ الصحافةِ والإعلامِ في الأعوامِ الأخيرة.

خلال اللقاءِ جرى الحديثُ عن أهميةِ وضعِ إستراتيجيةٍ وطنيةٍ من أجل تطويرِ محتوى مواد التدريس داخل أقسامِ الإعلامِ بالجامعات الفلسطينية في غزة، وأهميةِ تبادلِ الخبرات بين الإعلاميين والخريجيين من أجلِ صقلِ مواهبهم والتعرف عليها وتوفير فرص عمل لهم في المستقبل، وإن كان "التدريب الإعلامي" للخريجيين هو نفسُه دخل في إطارِ السوق العرض والطلب، لذا فإنّ ضبطَ التدريبِ الصحفي الخارجي ومراكزِ التدريب يعدُ أمرا مهماً خاصةً بأن العديدَ من الجامعاتِ لا يتبعُ لها مراكزُ تدريبٍ معتمدة يستطيعُ الخريجُ الصحفيُّ الالتحاقَ بها بعد انهاءِ دراستِهِ الجامعية.

لقد وصف رؤساءُ أقسامِ الإعلامِ في الجامعاتِ بغزةَ بأن أوضاعَ أجهزِتهم ومختبراتِهم "بالمتهرئة" هذا يعني أن واقعَ تدريسِ الإعلامِ الفلسطيني خلال السنواتِ القادمةِ سيكون مؤلما جدا، خاصةً في ظلِّ ثورةِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي ونشأةِ ما يعرفُ ب"صحافةِ المواطن"، حيث أصبح كلُّ مواطنٍ يملكُ جوالاً وحساباً على فيس بوك أو تويتر هو بمثابةِ صحفي يرصدُ الأخبارَ من أي مكانٍ في العالمِ وينشرُها، وأيضا في ظلِّ وجودِ عددٍ من مراكزِ التدريبِ المتطورة قد يصبحُ الحصولُ على شهادةٍ في الإعلامِ لا يحتاجُ إلي أربعِ سنواتٍ دراسيةٍ بأعبائِها المالية حيث إن سنةً دراسيةً في أحد تلك المراكز يجعل منك صحفيا بقدراتٍ عالية.

على الجامعاتِ أن تتفطنَ لأهميةِ تطويرِ محتواها الأكاديمي في ظلِّ الثورةِ الهائلةِ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعي والمواقعِ التفاعلية ، فإن أهميةَ الاعتمادِ على "الصحافة التفاعلية" في المستقبلِ القريبِ كفيلٌ بأن يعيدَ الهيبةَ لأقسامِ الإعلامِ وذلك بشرطِ تطويرِ الكوادرِ العاملةِ وصقلِ مهاراتها وتعزيزِ خبراتها، وتطوير أدوات العمل في الاستوديوهات والمعامل ودوائر التحرير التدريبية التي تخضعُ تحت سيطرةِ الجامعات، نهيك عن الاستفادةِ من الخبراتِ الميدانيةِ والصحفيةِ التي طَورتْ من أدائِها وأصبحوا صحفيين شاملين قادرين على صناعةِ محتوى إعلامي وتدريبي قادرٍ على تقديمِ أفكارٍ إبداعيةٍ جديدةٍ في عالمِ الإعلام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد