استيقظ أهالي سكان غزة قبل يومين على صورة النمر الذي تم نقله من حديقة في جنوب قطاع غزة إلى جنوب أفريقيا وقد استعاد حيويته ووزنه بعد أن كان أقرب للجثة المحنطة، تناقلها الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تندراً أو دهشة أو تعجباً، وفرحاً لذلك الحيوان الذي نال أخيراً حريتة من السجن الكبير المسمى غزة، وغضبأ وكفراً بهذا العالم الذي قطعت فيه منظمة آلاف الأميال لتنقذ حياة الحيوان فيما يُترك شعب تعداده 2 مليون انسان أسرى حدود جغرافية يطحنهم الفقر والبطالة، تعاقب عليهم عشر سنوات حصار، وعدوان تكرر ثلاث مرات في أقل من ست سنوات مازالت آثاره ماثلة للعيان، دون أن يُسارع المجتمع الدولي الذي تعهد بمليارات الدولارات لاعمار غزة بالإيفاء بواجباته، ودون أن تتحرك الشعوب طلباً لفك أسر من تُقيد حركته ويُمنع عنه سبل العيش الكريم، يُترك وحيداً متسائلاً أين العدل في انصاف حيوان وذبح انسان.
فيما تُقطع المسافات الطويلة وتُنفق العملة الصعبة ل “معاينة وانقاذ الحيوانات التي انهكها الحصار” كما عنونت أحد المواقع الفلسطينية، تضج مواقع التواصل الاجتماعي بشكل شبه يومي بمناشدة من شاب في مقتبل العمر أو فتاة على شفا الموت تطلب حقها في العلاج بالخارج، تمنعها الحدود وتقف المادة عائقاً، وغالباً ما يلفظون أنفاسهم الأخيرة قبل أن تُلبى أو يُفكر أحد بالاستجابة لهم.
وفي المشهد عجوز طاعنة في السن تُقاتل وتجاهد لتسجيل ابنتها لتلتحق بزوجها في الخارج فحياتها الزوجية على المحك، وإقامتها شارفت على النهاية، بعد أن حصلت عليها بشق الأنفس ووقتها محدود تنتظر بشغف دورها في الرحيل قبل أن يوأد حلم جمع الأسرة من جديد.
وطالب اجتهد في الحصول على منحة دراسية انتظر عام كامل للخروج من غزة والالتحاق بجامعته إلا أنه لم ينجح، أضطر ليتقدم للمنحة مرة أخرى وحصل عليها ولم ينجح بالحصول على أذن السفر، وتقدم في العام الثالث وتكرر نفس الأمر، ثلاث سنوات لا هو حسم أمر البقاء في غزة ولا هو خرج ليطارد حلمه في اكمال دراسته الجامعية فلا ذاق طعم استقرار ولا ألهمته الظروف لقرار.
وصل خبر الحيوانات التي أنهكها الحصار لمنظمات حقوق الحيوان والوفود الطبية والحكومات التي سهلت مرور الحيوانات من حاجز ايريز مروراً بمطار الملكة علياء وصولاً لجنوب أفريقيا، ولم يصلهم صوت 2 مليون انسان يعتمد أكثر من 80% منهم على المساعدات، لم يصلهم صوت مرضى السرطان التي تقتلهم قلة الإمكانيات وعدم المقدرة على الخروج المنتظم من قطاع غزة للعلاج، لم يصلهم صوت مرضى الكلى وهم ينتظرون طوابير على آلات غسيل الكلى نتيجة عدم وجود أجهزة كافية في المستشفيات، لم يصلهم صوت الفقراء المتكدسين فيما يُشبه البيوت التي لا تصلح للسكن الآدمي وعرضة لأشكال شتى من المخاطر، لم يصلهم صوت ساكني الكرافانات من المهدمة بيوتهم وقد تعاقب عليهم حرارة الصيف وبرد الشتاء ونال منهم دون أن يفكر أحد في الإسراع من عملية الاعمار أو تغيير آليتها.
لم يصلهم صوت ذوي الإعاقة من الجرحى ومعاناتهم، لم يصلهم الصوت رغم آلاف الجرحى والشهداء وأطنان المتفجرات التي انهالت على غزة، ووصلهم صوت نمر وقرد بصورة.
إن كفر سكاني قطاع غزة بالمجتمع الدولي ويأس شبابه خاصة له عواقب وخيمه، وانفجار قطاع غزة ليس في مصلحة أحد، ولطالما كان التضييق وغياب العدالة وعدم نيل الحقوق مقدمة للميل نحو التطرف والأرهاب.
تتراكم ظروف القهر والاحباط على أهالي قطاع غزة، تضغطهم الظروف ويطحنهم الحصار، وتنال منهم ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، دون أفق واضح أو دراية إلى أين يتجه القطاع وساكنيه، ودون أن يكون أي من الفصائل سواء حماس التي تحكم القطاع أو الفصائل خارج الحكم بالجراءة الكافية لرفع الظلم عن هذا الشعب ووضع الجميع أمام استحقاقاته.
فيما ندخل الصراع من أجل شرعيات متهالكة، وتدور حرب طاحنة لأجل أن تمر كلمة جهة على حساب جهة أخرى، يضيع مستقبل شعب بات أقرب للانصراف عن الوطن بعدما بات الوطن يمثل حزمة من المنافع الشخصية للبعض، وبات الخلاص الفردي عدوى شديدة الانتشار.
إن رجل الدولة وعقلية إدارة الدولة تختلف عن رجل التنظيم وعقلية إدارة التنظيم ما يسع التنظيم لا يسع الدولة، وما يسع الدولة لا يسع التنظيم وطالما أننا دولة تحت احتلال “القرار” فيها “للتنظيمات”، عليهم أن يتوحدوا وألا يُسقطوا أدبيات تنظيماتهم على الشعب، فلا أحد منهم يمثل كامل الشعب، علنا جميعاً نخرج من عنق الزجاجة.
مصر قامت خلال الفترة الأخيرة بتسهيلات عبر معبر رفح ، ساهمت في التخفيف من حالة الاحتقان في قطاع غزة فيما يتعلق بتنقل الحالات الانسانية والطلبة والإقامات، إلا أن الخطوة التي تم تقديرها من الفصائل الفلسطينية وتوجيه الشكر لها من قبلهم، تحتاج إلى قفزة باتجاه مزيد من التسهيلات، وصولاً لانتظام الحركة عبر معبر رفح وفق ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتكفله المواثيق الدولية، إن مصر العمق العربي للقضية الفلسطينية، ومثلت على الدوام الداعم الأكبر والحقيقي للشعب الفلسطيني، ولا يمكن القبول باستمرار حالة التنافر بين غزة ومصر، وعلينا كفلسطينين ومصريين أن نصل مجدداً لنقطة التقاء فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، علينا أن نُعيد الترابط الشعبي من خلال إجراء مصالحة شعبية بين الطرفين، وتعزيز العلاقة الاقتصادية، واحداث تكامل اعلامي، وقبل هذا وذاك طي صفحة الخلاف بين غزة ومصر وعودة العلاقة لسابق عهدها، فمصر تستطيع بجهودها رفع الحصار عن غزة، وتستطيع تفعيل عملية إعادة الاعمار، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية