أفسد فوز ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، الوعود والمراهنات والصبر الطويل الذي تحصن به الفلسطينيون في انتظار مبادرة سلمية كانت تبدو على أنها تملك إمكانية تحريك المياه الراكدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كانت المبادرة التي طرحتها فرنسا الفرصة الأخيرة التي يمكن أن تنقذ حل الدولتين بما أنها حظيت بدعم أوروبي وعربي قوي، لم يحل دون متابعتها والتمسك بها الرفض الإسرائيلي الواضح والمتكرر والتحفظ الأميركي.
المبادرة ذهبت أدراج رياح التغيير الذي تشهده الولايات المتحدة، وهي في الأصل لم تكن تملك ضمانات النجاح والتقدم، لأن من يقف وراءها لا يملك العزم الكافي للضغط على إسرائيل والذي دونه لا يمكن لدولة الاحتلال أن تعيد التفكير في موقفها الرافض لكل مبادرة دولية تستند إلى رؤية الدولتين.
ها هو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يعبر عن اعتقاده بأن الفرصة قد تضاءلت لعقد المؤتمر الدولي للسلام في باريس الشهر المقبل. السبب المعلن عند هولاند هو نتائج الانتخابات الأميركية التي حملت ترامب إلى رأس الإدارة الجديدة، ولأن الإدارة الحالية في واشنطن لن تشارك بهذا المؤتمر في الظروف الراهنة.
ويعتقد هولاند أن قيام ترامب بتنفيذ ما طرحه خلال حملته الانتخابية سيؤدي إلى فشل الجهود الدولية لدفع عملية السلام قدماً. 
إذا كان ثمة من لا يزال يعتقد بأن ترامب يمكن أن يتراجع عن الشعارات التي طرحها خلال حملته الانتخابية بشأن الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي، فإن مستشاره لشؤون الشرق الأوسط جيسون غرين بلات يقول: إن ترامب لا يريد فرض رؤية الدولتين خلال المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هذا على افتراض أن ثمة فرصة لجلوس الطرفين على طاولة المفاوضات.
إن كان هذا هو موقف الإدارات السابقة أيضاً، فإن غرين بلات يؤكد أن ترامب لن يتخذ موقفاً بشأن المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة، ذلك أنه لا يرى المستوطنات عقبة في طريق السلام.
وإذا أضفنا إلى ذلك إعلان ترامب خلال الحملة الانتخابية أنه سينقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس ، فإن ذلك حتى لو لم يتم فعلياً، وليس هناك ما يمنع ذلك، فإن سيد البيت الأبيض الجديد يعلن صراحةً أنه ليس لديه ما يختلف مع الإسرائيليين حوله.
سلفاً ترامب يتبنى دون مواربة الرؤية الإسرائيلية للصراع وهي رؤية في الواقع لا ترى إمكانية لحل الدولتين، وهي تمضي نحو مصادرة الضفة الغربية، وإبقاء غزة كمكان محتمل لدولة فلسطينية. لا يمكن لأحد أن يأمل في دور وجهد جديد وجدّي، لا من الاتحاد الأوروبي ولا من الرباعية الدولية ولا من الأطراف المشغولة في الملفات الساخنة في المنطقة، فضلاً عن الولايات المتحدة.
بالتزامن مع هذه الوقائع تبادر لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية (إيباك) إلى شطب موقفها الداعم بقوة لحل الدولتين من صفحة موقعها الإلكتروني. سبق ذلك كل ذلك أن أسقطت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري كل إشارة إلى رؤية الدولتين، ما جعل ترامب يقول عن حق: إن اللجنة الوطنية هي الأكثر تأييداً لإسرائيل في كل العصور.
هذه هي خلاصة الوعد القادم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فلقد صفّر الحكم بانتهاء المباراة بفوز كاسح لإسرائيل وصفر كبير للفلسطينيين والعرب. تبدد هذه الوقائع المخاوف الإسرائيلية من أن إدارة أوباما قد تتخذ خطوةً غير مرغوبة من خلال الأمم المتحدة في الفترة الرمادية بين فوز ترامب وتسلمه المسؤولية في العشرين من كانون الثاني المقبل.
وفي الوقت ذاته، تبدد ما تبقى من أوهام ومراهنات على إمكانية تحقيق رؤية حل الدولتين من خلال المفاوضات. منذ فترة ليست قصيرة والكل الفلسطيني تقريباً يعبّر عن انغلاق الطريق أمام الحل السلمي، لكن منهج العمل السياسي القائم على رد الفعل وليس الفعل المبادر، كان هو السبب في استنزاف الزمن والإمكانيات، رغم ما ينطوي عليه ذلك من خسائر ومخاطر.
تعرف إسرائيل ماذا عليها أن تفعل، بل وأن تستعجل ما تخطط لفعله، قبل أن تهدأ العواصف التي تهب على المنطقة وقبل أن تتغير المعطيات الراهنة التي تمنحها الفرصة لتحقيق ما تريد. الآن القدس والمقدسات أمام خطر حقيقي، إذ لم يعد الحديث يدور عن تقسيم زماني ومكاني، يفرض على المسجد الأقصى، والآن ستصعد إسرائيل سياساتها ومخططاتها الاستيطانية التوسعية. الآن إسرائيل تفكر ملياً وجدياً في إعادة احتلال الضفة الغربية وتنفيذ المخططات التي تحدث عنها ليبرمان بالقفز عن السلطة التي يتخوف آفي ديختر رئيس لجنة الأمن والسياسة في الكنيست من أن تنهار بعد مرحلة الرئيس محمود عباس .
والسؤال هو: من يقف بجدية وصدق مع الفلسطينيين أمام الهجمة الاستيطانية التوسعية العنصرية الإسرائيلية؟ الفلسطينيون لا يقفون مع أنفسهم فلقد أصبح الانقسام والصراع العنوان الأبرز لقراءة المشهد الفلسطيني الداخلي، فعدا ما تعانيه حركة "فتح" سواء في داخلها أو في علاقاتها مع فصائل منظمة التحرير، فإن الانقسام الخطير الممأسس بعمق بينها وبين " حماس " وبين غزة والضفة هذا الانقسام يتخذ طابعاً كارثياً على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وبرنامجه الوطني.
وعلى الصعيد العربي لا يمكن لكل التصريحات البروتوكولية عن جودة العلاقات أن تغطي الخلل الكبير والخطير القائم مع الفلسطينيين كل الفلسطينيين، سواء المنظمة والسلطة و"فتح"، أو "حماس" وسلطة الأمر الواقع في القطاع.
جرى امتحان الاتحاد الأوروبي وها هو هولاند يعلن العجز عن ملء الفراغ إن كانت الولايات المتحدة قد تركت فراغاً فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي، أما روسيا فلديها أولويات أخرى. الآن وبالرغم من التأخير لا يمكن لفلسطيني أن يجادل في أن مرحلةً طويلة امتدت منذ العام 1993 حتى الآن قد انتهت رغم بقاياها التي تشكل عقبةً أو منصةً للانطلاق تبعاً لماهية الرد الفلسطيني.
هي معطيات خطيرة تفترض قراءة مختلفة، قراءةً ومعالجةً أعمق من قبل قيادة حركة "فتح" التي تغذ الخطى نحو عقد مؤتمرها السابع وسط مناخات صعبة لا تبرر تكرار مفردات ومخرجات المؤتمر السادس. المسؤولية ثقيلة جداً وتاريخية على حركة "فتح"، كانت تفترض أن يسبق مؤتمرها السابع جملة من الحوارات والخطوات العملية مع الكل الوطني وقبل ذلك مع الذات الفتحاوية للتقدم نحو فعل واستراتيجية تنقل الحالة الفلسطينية من مربع ردات الفعل إلى مربع الفعل المبادر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد