2014/09/08
183-TRIAL-
نمر اليوم بجملة من الأزمات التي تهدد استقرار المشهد السياسي من جوانبه كافة، وهي أزمات بحاجة لتبصر كبير من أجل الخروج منها، وتركها سيقود إلى تعميق المحنة وصعوبة تجاوزها.
تركت نتائج الحرب الكثير من القضايا عالقة وغير ناجزة سواء على الصعيد الداخلي أو في العلاقة مع الاحتلال، كما كشفت عن الكثير من القصور في مستقبل العلاقات الوطنية. وإن التعامل الجدي مع المستقبل يتطلب وقوفاً صلباً أمام هذه القضايا بغية تجاوزها وإعادة الاعتبار للرؤية الاستراتيجية الموحدة التي لم نتلمسها بشكل سليم في حقلنا السياسي رغم وضعنا النقاط على الكثير من الحروف. يرتبط هذا ببعض القضايا حول مستقبل الصراع وكيفية معالجته.
مرة أخرى يبدو أن المصالحة بشكلها الحالي لم تكن مصالحة بقدر كونها اتفاقا على ترتيب مؤقت.
العدوان وما خلفه من دمار يحتاج إلى اكثر من شراكة شكلية لإدارة ملف إعادة الإعمار وترتيبات المعابر وحل قضية موظفي الحكومة من غزة الذين أيضا لا ذنب لهم حتى يظلوا معلقين في الهواء.
إلى جانب قضايا كثيرة ترتبط بتنفيذ اتفاق المصالحة، ولكن من بين هؤلاء تبدو القضايا الثلاث السابقة بحاجة لمعالجة دقيقة حيث إن اتفاق المصالحة يقف عاجزاً عن حلها، مع أخذنا التدخل الإقليمي والدولي بمخرجات وقف إطلاق النار وخصوصاً مثلاً قضية معبر رفح وارتباطها بمصالح مصر وأمنها القومي ورغبة مصر أن ترى سلطة شرعية متفقا عليها تدير المعابر، قد لا يحب بعضنا هذا ولكن هذا شأن مصري كما تم الاتفاق في مفاوضات التهدئة.
يقترح الكلام السابق أننا بحاجة لقفزة في الهواء تعالج اتفاق المصالحة، ان نقول إنه لم يعد يفي بشروط الواقع الجديد وإننا بحاجة لاتفاق شفاف واضح يحل القضايا كلها ولا يترك شيئاً معلقاً.
وربما نكون اكثر مجازفة ونضع أسس واضحة المعالم للمستقبل الذي نريد في كل شيء من المشروع الوطني وانتهاءً بتصوراتنا للازمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لقد كان العدوان هو الجهاد الأصغر أما الجهاد الأكبر فيحتاج الكثير من الجرأة والصراحة والألم حتى ننجز فيه انتصاراً، إذ لا يكفي فيه الصمود وحده.
لقد مل العالم من الصراع، ويجب علينا أن نكون جريئين حتى نعترف بذلك، فالمجتمع الدولي بين فينة وأخرى ينشغل بقضيتنا وبصراعنا لاعتبارات كثيرة وهو بذل جهداً كبيراً في سبيل تخفيف حدة اللهب، لا يهم كثيراً ماذا نعتقد إذا كان هذا الاعتقاد غير مسنود لقوة تفرضه.
فالعالم الظالم الذي كان السبب الرئيس وراء نكبتنا لم يعد يقدر أن ينشغل أكثر من ذلك في أزمة هو خلقها، هو لا يريد كل سنتين أن يعالج مشكلة حرب في غزة وان يقوم بدفع تكاليف إعادة الإعمار.
ثمة توجه لأن تكون ثمة حلول دائمة وآليات دولية لضمان تنفيذ هذه الحلول، وعليه فإن المُخرج الذي ينتظره المجتمع الدولي لا بد أن يكون مخرجاً ثابتاً ومستداماً، وعملية إعادة الإعمار ليست مجرد مرحلة جديدة في انتظار الدمار الجديد.
يقترح هذا ان المجتمع الدولي سيصبح أقل اهتماماً بالقضية بشكل عام وليس فيما يتعلق بغزة، ثمة أزمات كثيرة تعصف بالعالم وتضربه بموج عات، والتوترات في مراكز الصراعات في العالم كثيرة ومتجددة والعالم لديه انشغالاته بها أيضاً.
أزمة أوكرانيا تضرب شواطئ أوروبا وحديقتها الخلفية قد تحترق، روسيا أيضاً منشغلة بهذه الأزمة، إلى جانب أيضاً الأزمة التي تواجه العالم بعد صناعة "داعش" كعدو محتمل لقوى العالم المتحرر؛ لأن هذا العالم بحاجة لعدو بين فينة وأخرى ليوجه إليه غضبه وبوصلة تركيزه.
لاحظوا أيضاً أننا نواجه أزمة في وقوف العالم معنا وهي أزمة تعكس إخفاقاً في التركيز الدبلوماسي العربي كما الفلسطيني، لاحظوا موقف الهند الذي هو أقرب لتل أبيب منه لنا، صحيح أن الأمر مرتبط بصعود الحكومة اليمينية في الهند في أيار الماضي وارتباط رئيس الوزراء بعلاقات حميمة مع إسرائيل حين كان ممثلاً لولاية كجرات كما علاقة وزيرة خارجيته الدافئة مع إسرائيل بوصفها الرئيسة السابقة للجنة الصداقة مع إسرائيل في البرلمان الهندي، لكن ألم تكن الهند زعيمة العالم في الدفاع عن حقوقنا؟ ما الذي جري!! أيضاً روسيا هل من لاحظ الموقف الروسي الداعم لإسرائيل والمساوي بين النيران الفلسطينية التي تأتي كردة فعل وبين المذابح الإسرائيلية.
أيضاً الصين لم يكن موقفها بالمستوى المطلوب منها كحليفة استراتيجية للعرب، اتركوا أوروبا جانباً كذلك الولايات المتحدة.
صحيح أن مواقف أميركا اللاتينية كانت قوية لكنها وحدها لا تكفي وهي ليست نتيجة جهد حميد نقوم به بل نتيجة صعود موجة اليسار هناك المعادي للكولونيالية.
أما القضية الملحة الأخرى فهي مشروعنا السياسي، القيادة الفلسطينية بصدد تقديم مشروع سياسي يقوم على وجوب انتهاء الاحتلال، إن الأمر بحاجة لقفزة قوية في الهواء وهي قفزة تحتمل كل النتائج لكنها لا تحتمل ان يبقى الوضع على ما هو عليه، ماذا يتطلب هذا؟ يتطلب قبل كل شيء اصطفافا فلسطينيا خلف الرؤية المشتركة والاتفاق المشترك حول خطوات مواجهة موقف المجتمع الدولي لاسيما التعنت الأميركي.
إن الجبهة الداخلية الموحدة وحدها قادرة على تقديم الإجابة، وجزء من هذا هو الاتفاق على وحدة قرار السلم والحرب رغم أننا لا نبادر لحروب بل نحن معتدى علينا بوصفنا تحت الاحتلال، حتى لا يقع أحدنا تحت طائلة سوء تقدير الموقف، وكي لا تأخذنا البلاغة.
القفزة في الهواء تحتاج أن تكون أيدينا متشابكة حتى لا نسقط فرادى وننجو موحدين، وهذه بحاجة لجرأة وبحاجة لأن نكون صادقين ونقرر أن وضعنا لا يمكن أن يستمر للأبد هكذا.
من يعتقد أن عدوان غزة لم يكن له تبعات على مستقبل الصراع واهم، ومن يعتقد أن نتائجه أحادية ومن وجهة نظر واحدة أيضاً واهم، ومن يعتقد انه يستطيع ان يقفز في الهواء وحده أيضاً واهم. 194
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية