من المؤكد أن كل من يتابع بموضوعية علاقة مصر بالقضية الفلسطينية سوف يتوصل إلي حقيقة مؤكدة، مفادها أن مصر تعد السند الرئيسي لهذه القضية المحورية علي مدي تاريخها ، ولاشك أن هذا الأمر يجد تفسيره في عدة جوانب، أهمها أن القضية الفلسطينية تعتبر قضية أمن قومي مصري تتطلب التحرك الجاد للتوصل إلي حل عادل لها يؤدي في النهاية إلي استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط خاصة أن المشكلات الراهنة في المنطقة لا تعادل في تعقيداتها أو تاريخها القضية الفلسطينية . يري بعض المتابعين لهذا الملف المعقد أن هناك توترا نسبيا في العلاقات المصرية الفلسطينية ارتباطاً بمحاولة معالجة بعض المشكلات الأخيرة داخل حركة فتح، وهو الأمر الذي يلزم معه أن نؤكد أن هدف مصر يتمثل في أن تري حركة فتح قوية وموحدة في مواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية لاسيما أن هذه الحركة بتاريخها المشرف هي أساس المشروع الوطني الفلسطيني دون أن ينتقص ذلك من قدر ووطنية الفصائل الأخري باختلاف توجهاتها السياسية .

ومن المهم أن نشير هنا إلي أن الموقف المصري يتسم بأنه موقف شديد الوضوح والثبات في تعامله مع القضية الفلسطينية، فهو من جانب يسعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، تعيش في سلام واستقرار بجوار دولة إسرائيل, ومن جانب آخر يحرص علي دعم القرار الفلسطيني واستقلاليته في مواجهة محاولات الاستقطاب التي لا تنتهي والتي تحاول الاستئثار بالقرار الفلسطيني أو التأثير عليه وتوجيهه فيما يتوافق مع مصالحها وليس مصلحة الشعب الفلسطيني .

وفي هذا المجال نؤكد أن مصر حرصت دائماً علي ألا تتدخل في الشئون الداخلية الفلسطينية بل ووقفت مع القيادة الفلسطينية في أصعب المراحل حتي تكون لها سنداً وعوناً كلما حاولت بعض الأطراف الإقليمية أن تجذب القرار الفلسطيني، بعيداً عن البوصلة الصحيحة حيث رأت مصر أن هذا التدخل يزيد من تعقيد القضية ولا يسهم سوي في خلق أو تعميق أي انقسام داخلي، وكان الدور المصري دائما هو الداعم لوحدة الصف وللشرعية الفلسطينية .

وليس بجديد أن أؤكد أن علاقة مصر مع إسرائيل مازالت يحكمها الموضوع الفلسطيني الذي يعتبر موضوعاً رئيسياً في الاتصالات التي تجري بين الطرفين، ومن الضروري أن نعترف أن الرفض المصري الشعبي للتطبيع مع إسرائيل لا يزال وسيظل مرتبطاً بالسياسة الإسرائيلية المتشددة تجاه الفلسطينيين ورفضها إقامة دولتهم المستقلة بالإضافة إلي الإجراءات الإسرائيلية المتطرفة تجاه المسجد الأقصي.

والسؤال الذي يردده البعض حالياً هو هل هناك سحابة تغيم علي العلاقات الثنائية بين مصر وفلسطين, ولذا بات من الضروري أن أؤكد النقاط التالية :

أولا: أي اختلاف في وجهات النظر بين الدولتين يعد أمراً طبيعيا خاصة نحن نتحدث عن القضية الفلسطينية ومشتملاتها التي تتسم بهذا العمق والتعقيد والتشابك، ولكن الأمر المؤكد أن عمق هذه العلاقة يستطيع احتواء أي اختلافات في الرؤي قد تثار مهما كان حجمها .

ثانيا: لم ولن يحدث في تاريخ العلاقة الثنائية أي اختلافات فيما يتعلق بثوابت العلاقة أو الأمور الإستراتيجية أو مبادئ حل القضية أو محددات الحركة المصرية تجاهها فهذا خط أحمر لا اقتراب منه، وبالتالي فالاختلاف يظل واردا ولا خوف من تداعياته مادام بعيدا عن الثوابت .

ثالثا: من حق مصر أن تطرح رؤاها أمام القيادة الفلسطينية في أي قضية تري مصر أهميتها، وذلك انطلاقا من العلاقة الإستراتيجية بين الطرفين والثقة المتبادلة بينهما وهنا أؤكد أن مصر لا تسعي إلي فرض رأيها ولكنها تعرض وجهة نظرها طبقاً لما تراه مناسباً دون أن تجبر القيادة الفلسطينية علي السير في أي نهج لا توافق عليه. والمبدأ الذي تتبناه مصر وأكده الرئيس السيسي مرارا أننا لا نتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة وفي المقابل فإننا نرفض أن تتدخل أي دولة مهما يكن حجمها في شئوننا الداخلية .

رابعا: القيادة الفلسطينية تحرص دائماً علي التنسيق مع القيادة المصرية وتستمع إلي رؤيتها وتقييماتها الموضوعية وهو أمر معتاد في ضوء طبيعة وعمق العلاقة الثنائية , وبالتالي من المهم أن تضع القيادة الفلسطينية في اعتبارها سلامة المقصد وحسن النية المصرية والحرص علي المصلحة الفلسطينية إذا ما تم طرح أي قضايا من جانبنا مادامت تدخل في إطار النصح والمشورة وليس الفرض والإجبار. ومصر ستظل دائما بلدا آمنا ترحب بأبنائه وأشقائه الفلسطينيين، ولن تكون هناك أي عوائق أمام تردد الجميع عليه .

مما لا شك فيه أن مصر لن تتخلي أبداً عن دورها الرائد تجاه القضية الفلسطينية، وستحرص علي إبقاء هذه القضية في دائرة الضوء وليس أدل علي ذلك من الخطاب الذي ألقاه الرئيس السيسي في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة ولقاءات سيادته المتكررة مع الرئيس أبو مازن وكان آخرها في نيويورك علي هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، كما أن مصر لن تتأخر عن تقديم الجهد المطلوب منها والمرحب به فلسطينيا وفي إطار التفاهم المشترك من أجل دعم الموقف ووحدة الصف الفلسطيني ورأب أي صدع قد يهدد وحدة الموقف الذي نريده قويا قادرا علي إنجاز تطلعاتنا بإقامة الدولة الفلسطينية .

الخلاصة كما أراها أنه لا يوجد أحد يمكن أن يزايد علي الدور المصري المخلص الدءوب تجاه القضية الفلسطينية، أما في حالة حدوث أي اختلافات في الرؤي بين الجانبين إزاء قضايا محددة فمن السهل للغاية احتواؤها من خلال التنسيق والتشاور الثنائي الذي يجب ألا يتوقف مهما كانت الظروف, ومن وجهة نظري الشخصية فإن زيارة يمكن أن يقوم بها الرئيس أبو مازن للشقيقة الكبري مصر خلال الفترة القريبة المقبلة من شأنها أن تساعد علي مزيد من تفهم المواقف, فلا يمكن لفلسطين أن يكون لها عمق عربي حقيقي، إلا من خلال مصر التي لا يمكن لها أن تتراجع عن الدعم الكامل لقضيتها الرئيسية وهي القضية الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد