كان من الطبيعي أن تنجح زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلى تركيا وقطر فيما يتعلق بتأمين مرور أعضاء مؤتمر "فتح" الغزيين إلى الضفة دون معارضة " حماس "، لا سيما أنها تمت في ظل التلاقي بينهما بعد طرح خطة "الرباعية العربية"، لأن غيابهم قد يؤدي إلى تأجيل المؤتمر، أو قد يدفع باتجاه المشاركة عبر الهاتف كما جرى في المرة السابقة، وما رافق ذلك من لغط كبير حول تزوير إرادة الناخبين. ويهدف الرئيس أيضًا ضمان ألا تتحالف "حماس" مع دحلان وجماعته ضده في لحظة فارقة. في المقابل، لم تنجح الزيارة في إحراز أي تقدم في أي من ملفات المصالحة.
تأسيسًا على ما سبق، كان من الطبيعي أن يقدم الرئيس شيئًا لحماس ليضمن حصوله على ما يطلبه منها، مثل تحريك ملف المصالحة، أو الموظفين، أو غيرهما، حيث كان هناك بصيص من أمل في لقاء الرئيس بمشعل، إلا أن شيئًا مثل ذلك لم يحصل، فقد فشل الاجتماع فشلًا ذريعًا. 
فمن جهته، رفض الرئيس البحث في قضايا الخلاف، ومتطلبات إنجاز الوحدة، محيلًا الأمر إلى دعوة الوفدين إلى جولة حوار قادمة، في ظل حديث عن تحضير قطر لورقة تكون أساسًا للحوار القادم، الأمر الذي قد يُغضب مصر، راعية ملف المصالحة، بما يعزز المطالبة لها بأن تتحرك بالدعوة إلى حوار وطني شامل لمتابعة تطبيق اتفاق القاهرة. وهذا هو المدخل الطبيعي، ويقطع الطريق على تفاقم الخلاف وتبادل الاتهامات من خلال الإعلام و"الندوات".
لماذا لم يبادر الرئيس إلى إعطاء "حماس" شيئًا مقابل ما يريده منها، فهذا قد يرجع إلى أن همّ الرئيس الآن عقد مؤتمر "فتح"، ولا يريد الانشغال بملف المصالحة، أو غيره من الملفات، أو ربما أنه يخشى حصول أي تقدم في المصالحة بعيدًا عن مصر وحلفائها في "الرباعية العربية"، ما قد يؤدي إلى رد قوي منها لا يستطيع  احتماله، خصوصًا أن الغضب من أي تحرك لإنهاء الانقسام سيشمل أيضًا إسرائيل اللاعب الرئيسي، أو قد يرجع الأمر إلى أن الرئيس لا يريد شريكًا له ، من خلال استمراره بالتحكم بكل السلطات وتهميش كل المؤسسات داخل "فتح" والسلطة والمنظمة، أو أن هناك تفكيرًا بتأجيل عقد المؤتمر بعد المعارضة الإقليمية واستمرار الصعوبات الداخلية، وربما لبروز عوامل جديدة تقتضي التأجيل، بالرغم من أن معارضة جماعة دحلان لم تكن واسعة وتمت السيطرة عليها.
إذا أردنا أن نتعرف أكثر إلى المشهد، نقول بأن الرئيس لا يزال متمترسًا وراء الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، والتحضير لإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر، وإذا تعذّر الاتفاق على تشكيل الحكومة، يتم التوجه إلى إجراء انتخابات من دون حكومة وحدة، على أن تكون المشاركة في الانتخابات ضمن قوائم مشتركة. 
ويشمل موقف الرئيس أن يكون برنامج الحكومة هو برنامج منظمة التحرير، وعليها أن تلتزم بالتزامات المنظمة المترتبة على الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل، على أن تُحَلّ مسألة الموظفين من خلال "لجنة إدارية" تشكلها حكومة الوحدة الوطنية، إضافة إلى رفض عقد المجلس التشريعي. 
أما "حماس" فترى أنه من المفترض الالتزام بما تم التوقيع عليه في مكة والقاهرة والدوحة و غزة . وبالنسبة للبرنامج السياسي للحكومة، فتطرح خيارات عدة: أن تكون الحكومة حكومة مهمات بلا برنامج سياسي، على أساس أن المنظمة هي المسؤولة عن الموضوع السياسي، أو الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، يكون برنامجها السياسي ما سبق الاتفاق عليه بشكل مشترك، مثل وثيقة الوفاق الوطني، أو برنامج حكومة الوحدة التي تشكلت بعد "اتفاق مكة"، أو الصيغة التي اقترحها وفد "فتح" في 16 حزيران الماضي والتي لا تختلف جوهريًا عما سبق، مع التأكيد على "أن تحترم الحكومة قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير". 
كما تؤكد "حماس" على أن المجلس التشريعي يجب أن يمارس عمله إلى حين انتخاب مجلس جديد، وعلى عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير لممارسة مهامها المنصوص عليها في اتفاق القاهرة في موعد أقصاه خمسة أسابيع على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وبخصوص الموظفين، ترى "حماس" أنه يجب دمجهم في الكارد الوظيفي للسلطة دون تمييز، بينما تعمل اللجنة القانونية والإدارية التي ستشكل بالتوافق على توزيعهم وإعادة هيكلتهم حسب القوانين والمعايير المتبعة في السلطة الفلسطينية، إضافة إلى مطالبتها بتوفير متطلبات الانتخابات، وفي مقدمتها النزاهة.
المدقق في مواقف الجانبين يرى أن الهوة لا تزال سحيقة. فطرح الحل من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية والذهاب إلى انتخابات فقط مكتوب عليه بالفشل لأنه قفزة في المجهول، فكيف يمكن تشكيل حكومة وحدة والذهاب إلى الانتخابات، أو الذهاب إلى انتخابات بقوائم مشتركة من دون حكومة وحدة في ظل تعمق الانقسام عموديًا وأفقيًا وتربص كل طرف بالطرف الآخر. فكيف ينفع إجراء الانتخابات في حالة وجود حكومة وحدة أو من دونها؟ فالانتخابات لا يمكن أن تكون مدخلًا للوفاق الوطني، وإنما تتويجًا له، وما جرى ما بعد الانتخابات التشريعية السابقة في العام 2006 وما تلاه بالنسبة لعدم المضي في إجراء الانتخابات المحلية أكبر دليل على ما سبق.
بعد كل ما جرى، فإن الحلّ الذي أقترحه يكمن في كلمة واحدة، وهي الشراكة، التي تتجسد من خلال الاتفاق على أسس وكيفية وآليات الشراكة ومراحلها وجدولها الزمني، بحيث يتم ذلك بشكل متواز ومتزامن، وفي سياق ذلك يمكن حل الكثير من القضايا الخلافية، وما يتبقى منها يمكن إدارته في ظل الوحدة. ففي ظل الشراكة يكون كل طرف أكثر مرونة ومستعدًا لتقديم التنازلات من أجل إنجاح الوحدة. 
إن جوهر الشراكة المطلوبة والقابلة للنجاح يكمن في استعداد "حماس" قولًا وفعلًا للتنازل عن سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، مقابل تنازل "فتح" عن هيمنتها على المنظمة، والنظام السياسي برمته.
وتعني الشراكة أن منظمة التحرير الفلسطينية بحاجة إلى إعادة بناء مؤسساتها بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي التي تؤمن بالشراكة، على أساس الحقائق الجديدة والخبرات المستفادة، وعلى أسس وطنية وديمقراطية توافقية، تنسجم مع الشرط الاستعماري الاحتلالي الخاص الذي تمر به فلسطين.
كما تشمل الشراكة الالتزام بأن يكون قرار السلم والحرب، وجميع القرارات المصيرية، مسؤولية وطنية تقرر بشأنها المؤسسات الشرعية التي تجسد الإجماع الوطني، ولا يستطيع أن ينفرد به شخص أو فصيل وحده، وأن السلطة أداة من أدوات المنظمة، يجب إعادة النظر في دورها وشكلها ووظائفها والتزاماتها بما يخدم برنامج التحرر الوطني المشترك.
ما سبق يعني أنه لا مكان لأجهزة أمنية تابعة لهذا الفصيل أو ذاك، ما يتطلب إعادة بناء الأجهزة الأمنية وتوحيدها وإصلاحها لتصبح أجهزة مهنية بعيدًا عن الحزبية. أما سلاح المقاومة والأجنحة العسكرية التابعة لها فيتم تشكيل جبهة وطنية مشتركة مثلما هو وارد في وثيقة الوفاق الوطني تكون مسؤولة عن المقاومة وبشكل مشترك من دون سحب سلاح المقاومة ودون زجه بالصراعات والتنافسات الداخلية.
كما تعني الشراكة أن على كل الأطراف والفصائل المشاركة تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية والفئوية الفصائلية وعلى أي ارتباطات ومحاور عقائدية وسياسية ... إلخ. 
ولا تكتمل الشراكة من دون الالتزام بقيم الديمقراطية التي تقوم على المساواة بين المواطنين واحترام وضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإجراء الانتخابات بشكل دوري ومنتظم في جميع القطاعات والمستويات، وإذا تعذر إجراؤها يكون التوافق الوطني على أسس يتفق عليها هو مصدر الشرعية وأساس الشراكة، وترفض الشراكة أي توظيف لإجراءات الاحتلال ضد طرف لصالح الطرف أو الأطراف الأخرى، ما يقتضي النظر في كل الأمور من منظار الشرط الاستعماري الصهيوني الاحتلالي الذي ترزح فلسطين تحته. كما ترفض أي إقصاء أو هيمنة أو احتكار للدين أو الوطنية أو الحقيقة، أو استخدامها لتحقيق أغراض سياسية أو شخصية.
قد يقول قائل إن هذا غير ممكن في ظل النخبة السياسية الحاكمة والمصالح المتعارضة معه، وهذا صحيح، ولكنه يستجيب لمصلحة الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني الذي يجب أن يتحرك للتعبير عن إرادته بإنجاز الوحدة بأسرع وقت وقبل فوات الأوان.
Hanimasri267@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد